الاعلامي د. كريستيان أوسّي
في توصيفه للواقع اللبناني الراهن الحزين، يسعى مسؤول الى رسم صورةٍ مقارنة مع الماضي السعيد الذي عاشه لبنان واللبنانيون، ويخلص الى طرح معادلةٍ تلخّص كل المراحل وتعكس مرارة ما تمرّ فيه.
يقول هذا المسؤول:
ثلاث "ميمات" طبعت تاريخ لبنان البهيّ وسمحت له بأن يكون واجهة الشرق الأوسط ودرة العرب وجنَّتهم، ومصدر فخر اللبنانيين.
هذه "الميمات" هي:
مستشفى، مصرف، مدرسة...
فلبنان تحولّ مستشفى العرب، يقصدونه لكفاءة أطبائه وشهرتهم العالمية، ولتقدم خدماته الاستشفائية ومواكبتها كل تطوّر دولي وعلمي.
وصار لبنان نقطة اجتذات للثروات العربية كما اللبنانية المقيمة والإغترابية، بعدما نجح قطاعه المصرفي في تقديم أفضل الخدمات المالية واكثرها تطوراً واطمئناناً وربحية. لا بل ان قطاعه المصرفي، بكفاءاته البشرية تحول قدوة لسائر النظم المصرفية العربية، فإنتشرت القدرات البشرية المصرفية اللبنانية في الدول العربية، كما تعددت فروع المصارف اللبنانية هناك، واسهمت في النهضة العمرانية والثقافية والبنيوية العربية.
أما القطاع التعليمي فحدّث ولا حرج، الجامعات اللبنانية كانت حلم الشباب العربي، لا بل ان هذه الجامعات هي التي انشأت جيل المثقفين العرب ونشرت النهضة العلمية والثقافية في الربوع العربية.
يضيف المسؤول:
لتقدير حجم الخسارة التي لحقت بلبنان، ينبغي أن نتوقف عند "الميمات" الثلاث وأن نسعى الى قياس المتغيّرات التي لحقت بها:
فالمستشفيات اللبنانية التي كانت درّة الوطن والعرب ومقصدهم، تعاني اليوم، حتى ان بعضها يبدو وكأنه في النزاع الأخير، فلقد تفاقمت انعكاسات "كورونا"مع الإنهيار الاقتصادي، وظهرت عجزاً مميتاً في ميزانيات القطاع الاستشفائي غير القادر على مواكبة التدهور الكبير في سعر النقد الوطني، ناهيك عن هجرة الكوادر الطبية الكفوءة من أطباء ومتمرسين، بالاضافة الى الجهاز التمريضي...
أما المصارف اللبنانية فتعاني اليوم وطأة الإنهيار الاقتصادي وتمنّع لبنان عن سداد مستحقاته المالية، ما أدى الى منحها تصنيقاً سلبياً حاصر علاقاتها الدولية وقدراتها، وحجب عنها امكانية التعامل المريح مع المودعين والمدخّرين، ألبنانيين كانوا مقيمين ومغتربين، ام عرباً...
هذا الواقع وضع المصارف في الزاوية الضيّقة التي لن تتمكن من مغادرتها الا متى قامت تسوية سياسية وبدأت مفاعيل ايجابياتها... وهذا سيستمر سنوات.
الميم المتبقية هي المتعلقة بالقطاع التعليمي، وتحديداً الجامعات اللبنانية المرموقة التي كانت تستقطب قبل سنوات الأزمة حوالي 30 من طلابها من الدول العربية وسواها، ناهيك عن العلاقات الأكاديمية التي ربطت هذه الجامعات بعديد من البرامج الأكاديمية والمؤسسات التعليمية في الدول العربية.
جامعاتنا اليوم تعاني نزفاً كبيراً وخطيراً :
فالقدرة الطالبية على الانتساب الى ضمور وتراجع بحكم تدهور سعر النقد، والأكفاء من الجهاز التعليمي يستجيبون الى المغريات التي تعرض عليهم فيغادرون، أما التجهيزات فكلّها مستوردة وكلفتها الباهظة تجعلها صعبة المنال...
يتابع المسؤول:
هذا التناقض بين صورتين لساحة واحدة، يظهر حجم التراجع والخسارة والتردي الذي أوصل السياسيون لبنان وشعبه اليه.
الا أن المسؤول إياه يختم:
على الرغم من كل ما سبق، فإنّ الحسّ السياسي والوعي الوطني عند السياسيين،متى وجد، كفيل بأن يفتح باباً امام الصالحين- وهم كثر – لإعادة الحياة الى "الميمات الثلاث"...
عندها يعود لبنان الينا ونعود كلنا اليه!