الشاعر هنري زغيب
يتكاثر الحديث اليوم عن الانتخابات المقبلة، الباكرة أَو اللاحقة، والمواطنون فريقان: متشائمون يَرَون أَنْ لا جدوى منها لأَنها ستعيد هذا الطقْم الحاكم ذاته ولن يتغيَّر شيْء، ومتفائلون مؤْمنون بأَن شعبنا المجلود بصلافة هذا الطقم الحاكم لا يُمكن أَن يُعيد كراسي الحكم إِلى من يَجلسون عليها كي يتحكَّموا بشعبنا من جديدٍ بعد عقود قاهرة من جَورهم وإِنكارهم وحكْمهم السيِّئ الفاشل اللعين الذي أَوصلَنا إِلى ما نحن فيه.
أَنا مؤْمن بشعبنا أَنه سيغيِّر مسار الوطن.
شعبُنا لن ينسى مَن خطَف ودائعه أَو أَساء استخدامها.
شعبُنا لن يسامحَ من أَوصلوه إِلى الفقر والذُلّ والاستعطاف على باب مصرف أَو مدخل فرن.
شعبُنا لن يغفر لمن انتخبَهم ليحكُموا باسمه الوطن فتحكَّموا به وبالوطن.
شعبُنا لن يقبل أَن يُعيد جلَّادين ثعالبَ بأَقنعة حمْلان يفرشون له مستقبلَه وُعودًا كذَّابة بمغريات جذَّابة.
لا. أَبدًا. مش ممكن. شعبُنا أَذكى وأَنكى من هؤُلاء الذين يدَّعون الذكاء بلوغًا إِلى نكاياتهم ونَكَدهم وتعنُّتِهم حين يبْلغون الحكْم.
شعبُنا لن يرضى أَن يخضع كفئران المختبرات لإِجراء التجارب واختبار قوَّة الخصوم ورُدُود فعل المحازبين الآخرين.
شعبُنا لم يعد خانعًا أَغناميًّا عميانيًّا ببَّغاويًا يُساق بالريموت كونترول، ويرفض أَن يكون كرةً بين أَقدام السياسيين يتقاذفونه كي يسجِّلوا نقاطًا على أَخصامهم، ويجمعوا الأَصوات المشتراة أَو المضلَّلة أَو الخرساء.
هل كلُّ شعبنا رافض هكذا؟ لا. أَعرف أَن لا. أَعرف أَنَّ في شعبنا بعدُ مَن سيظلون نهار الانتخابات منقادين إِلى صندوقة الاقتراع، ليُعيدوا الأَشخاص ذاتهم، الفاسدين ذاتهم، حيتانَ السياسة والمال والصفقات ذاتهم، لأَنَّ في شعبنا، بعدُ، عددًا من المنتفعين الأَزلام المحسوبين المستزلمين المستسلمين الخُنَّع العُمْيِ الصُمِّ بكل جهلٍ وأُمِّيَّةٍ وغباء. لكنَّ هؤُلاء صاروا أَقلية، أَو يجب أَن يكونوا اليوم أَقلِّيَّة.
الذين انهمروا إِلى الشوارع ثائرين غاضبين رافضين كلَّ هذا الطقم الحاكم المتحكِّم، صحيح أَنهم انكفأُوا بسبب الوضع الصحي الوقائي حاليًّا، لكن الكورونا إِن سحبَتْهم من الشوارع لم تسحب من صدورهم الغضب، ولم تنزع من قلوبهم غصَّتهم على مَن سقطوا، ولم تُطْفئْ فيهم شعلةَ الثورة التي جَمْرُها اليوم تحت رماد الكورونا منتظرٌ انحسارَ الخطر حتى يعودوا بثورة أَقوى، أَعنف، أَشرس، إِنما على أَن يؤَطِّروا ثورتهم في تنظيم لا بدَّ منه لإِنجاح ثورتهم.
الثورة، كلُّ ثورة، في حاجة إِلى قائد، إِلى مجلس قيادةٍ واحد موحَّد موحِّد، متماسكٍ غيرِ متهافت سرًّا على مناصب القيادة، كما يتهافت السياسيون الفاسدون على شحن أَزلامهم عصبيًّا، وتأْليبهم طائفيًّا، وتفريقهم حزبيًّا، حتى أَوصلوا البلاد إِلى التفكُّك الوطني والتعصُّب الديني ووشَك الاقتتال من جديد.
كلُّ هذا بات مفضوحًا بوقاحته وصلافته وعُهره السافر، ولن يقضي عليه إِلَّا تَشَكُّل مجلس ثورة متماسك، بقيادة متماسكة، وفي شعبنا اليوم، شعبنا الغاضب اليوم، شعبنا المقهور اليوم، أَكثرُ من لبنانيٍّ مؤَهَّل لقيادة الدولة وانتظام مؤَسساتها وتشكيل لبنان الجديد.
لذا قلتُ إِن الانتخابات المقبلة، أَيًّا يكُن موعدها، قريبًا أَو لاحقًا، لن تُعيدَ هذه الوُجوه التي مرَّغت وجوهنا بالرماد الحارق، لأَن شعبنا بات واعيًا أَن أَصحاب هذه الوجوه القذرة ليس لهم إِلَّا مصيرٌ واحد: أَن يتمرَّغوا هم في نارٍ أَشعلوها ليُحرقوا بنا الوطن، فاحترقُوا هُم وحدَهم، وَرَمَّدوا في جمر لبنان.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا