مجد يوسف
تجهد الأطراف الكيانيّة في لبنان على توحيد صفوفها ورصّها للتوصّل إلى خلق جبهة معارضة للنهج الحاكم. هذا النّهج الذي عاث فسادًا في البلاد والعباد، اقتصاديًّا وأمنيًّا؛ حتّى بات الجوع الهمّ الوحيد الذي يطوّق خوف النّاس. وما بين الجوع والخوف يكاد الوطن بأكمله أن يضيع. فهل ستتغاضى بعض الأطراف، كالكتائب مثلا، عن مصالحها الخاصّة، وحساباتها الانتخابيّة الضيّقة، لتتلاقى مع البقيّة الحرّة الساعية إلى إنقاذ الوطن؟ وإن تشكّل هكذا حلف، هل سيتمكّن من تسجيل الخرق المؤسساتي المرتقب للتوصّل إلى التغيّير المرجوّ؟
وسط ذلك كلّه، تأسف أوساط معارِضة من المواقف التي يقودها اليوم النائب المستقيل سامي الجميّل في حزب الكتائب؛ هذه المواقف التي تُعِيق التقدّم في التأسيس لمرحلة جديدة. هذه المرحلة التي باتت اليوم هدف أيّ ضنين في لبنان، وأوّل الساعين هي بكركي. فالدّفع نحو مؤتمر دولي لا يمكن أن يتحقّق في ظلّ هذه الشرذمة. واستغربت هذه الأوساط الدّوافع في ظلّ غياب ما يستدعي لهذه الحملة المضادّة التي يقودها سعادة المستقيل. لكأنّها تبرير لاستقالته الشعبويّة بعدما تيقّن من فشله المدقع حيث لم يستطع تحقيق أيّ خرق سياسي. فلعلّه يحقّقه بجذب الأنظار وحرفها عن الجبهة المعارضة!
وهذا ما يدفع إلى الشكّ في النوايا الكتائبيّة من ناحية الجسور التي يمدّها الجميّل لا سيّما مع ما تمّ تسريبه من اتّصالات مع الوزير باسيل. لكأنّه يقود تسوية جديدة على حساب مَن تبقّى مِن مسيحيّين كيانيّين رفضوا الدّخول من باب 6 شباط 2006 الواسع. فما يقدِم عليه إن كان سرًّا أو جهرًا هو إدخالهم تحت العباءة الصفراء، ولكن بقيادته. فيبدي استعدادًا للتفاوض حتّى على أتراب بيته الواحد.
ذلك كلّه، ولم يتمكّن من تحقيق أي تقدّم جماهيري. وهذا ما تظهره استطلاعات الرأي التي ما انكفأ يطلقها من قبل جيوشه الاكترونيّة لجس نبض الشارع. ولم يتّعظ بعد الجميّل من أيّ إحصاء. كان الحريّ به ملاقاة أبناء بيته الواحد كالقوّات اللبنانيّة والأحرار والشخصيّات المستقلّة التي إن تحفّظ بعضها في مواقفه لكنّ حساباته الكيانيّة لا لبس فيها. لكنّه فضّل أن يضرب الصفّ الواحد ظنًّا منه بأنّه يستطيع أن يخلق حيثيّة معارِضَة تحت عباءة تسوياته المشبوهة.
يبدو أنّ الجميّل قد فوّت فرصة جديدة لوضع حدّ لمعاناة اللبنانيّين التي تبدأ بالرّغيف ولا تنتهي بالأمن مع هذه الأكثريّة العاصية على الدّساتير والأعراف والقوانين. والدّليل في ذلك أنّه بعد مضيّ أكثر من أربعة أشهر على تكليف الرئيس الحريري لتأليف حكومة جديدة، لم يتمكّن من إنهاء هذه الجائحة الدّستوريّة. ويبدو أنّها لن تبصر النّور لأنّ العراقيل لم تذلّل. وحتّى لو حصل ذلك، فهي لن تحقّق أيّ خرق إصلاحي مطلوب محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا لأنّ النهج المتحكّم بالسلطة باقٍ كما هو. فهذه الأكثريّة الخاطِفَة للوطَن ليست مستعدّة إطلاقًا لتقديم أيّ تنازل، ولو أتى على حساب المزيد من إضعاف الأحرار أكثر في لبنان. وهنا، التعجّب من أداء سعادة المستقيل.
من المؤسف ألا تبدأ المساعي بتوحيد الصفوف في المعارضة وحتّى مع المجتمع المدني ليتحقّق هذا الخرق الدّستوري في إسقاط هذه الأكثريّة الخاطِفَة للوطن. وهذا مثلا ما دعا إليه الوزير السابق مروان حمادة بتوحيد 14 آذار و17 تشرين على أجندة وطنيّة واحدة وواضحة لتحقيق الهدف المطلوب. فخلاف ذلك يعني المزيد من الشرذمة بين الأطراف المعارِضَة والمزيد من القدرة على السيطرة لهذه الأكثريّة الخاطِفَة.
واستغربت الأوساط موقف الكتائب الذي يتعامل مع القوّات على قاعدة المواجهة الدّائمة، حيث لم تكن القوّات يومًا إلا في موقع ردّ الفعل. فلم ينبرِ سعادة المستقيل تحميل القوّات مسؤوليّات سياسيّة جمّة يكاد أن يعود بها إلى صلب المسيح على جلجلة أورشليم، وهو الذي يبدو أنّه بعيد كلّ البعد من أورشليم نفسها. فيما اليوم المطلوب واحد. يجب وضع حاجز صلب بين اليوم والأمس والتطلّع إلى المستقبل لبناء الوطن الذي يليق بالعائلة التي يسعى إلى الحفاظ عليها. وأخذ الموقف المناسب انطلاقًا من الرؤية الوطنيّة واستشرافًا للمستقبل الذي يعمل لأجله.
وذكّرت الأوساط، خلافًا لما يقوله الجميّل، ففي أولى حكومات العهد كان مزمعًا ومتحمسا للمشاركة في الحكم، بعد اتّصال الحريري وباسيل به، لكنّ الغنيمة التي قدّماها له لم تعجبه؛ حيث كان يسعى إلى الحصول على وزير ماروني فعرِض عليه المقعد الأرمني المتوفّر الذي رشّح إليه الكتائبي ألبير كوستانيان. فوافق الاشتراك من دون المقعد الماروني- وليس انتقاصًا من المقعد الأرمني وما يمثّله من حيثيّة نجلّها- وهو الذي حمل لواء المارونيّة تنازل عن تمثيلها مقابل دخوله جنّة الحكم، ولكنه عاد واشترط استلام وزارة الصناعة، فيكون كوستانيان وزيرا للصناعة، ولكن بعد اتّصالات أجراها باسيل والحريري لم يتمكنا من انتزاع هذه الحقيبة من الفريق الذي كانت قد اسندت إليه، فعرضا عليه وزارة دولة، فرفض.
وإن دلّ ذلك على شيء فهو يدلّ على هذا النّهم إلى السلطة الذي يدغدغ جوامح سعادة المستقيل. وهذا ما يؤكّد على مشاركته وهو الذي قال في حلقة تلفيزيونيّة مع الاعلامي مارسيل غانم بأنّه سيعطي فرص بوجود عهد جديد، ورئيس جديد، ورئيس حكومة جديد، وهو سيتعاون. وهذا دليل على وجود اتّصالات في هذا الاتّجاه. لينتقل بعدها إلى الادّعاء بالمعارضة. هذه وقائع لا يستطيع إنكارها.
فهذه الوقائع وحدها كفيلة بدحض ادّعاءات سعادة المستقيل بأنّه يمثّل المعارضة وهو المؤهّل ليقودها. في حين أنّه بعيد كلّ البعد من أن يكون في هذا الموقع، وهو الساعي إلى تحصين مكتسباته في الحكم والسلطة لتقاسم المغانم مع العهد. كذلك نذكّره بزيارته للقصر الجمهوري والرّئيس الحريري بعد الانتخابات النيابيّة واستمرار المساعي معه لإشراكه في حكومة ما بعد الانتخابات. وأيضًا فشلت هذه المساعي. وبالتّالي، لماذا هذه المزايدات في وقائع مكشوفة من قبل الرأي العام كلّه؟
كتائبٌ كتائبٌ إِنَّكِ تَهْتَمِّينَ بِأُمُورٍ كَثِيرَة، وَتَضْطَرِبِين! إِنَّمَا المَطْلُوبُ وَاحِد: التعالي عن المصالح الفردانيّة وعدم السعي إلى اقتناص الفرص على حساب ضرب إخوة الصفّ الواحد. فهل يجرؤ سعادة المستقيل؟