كريم حسامي
تحرّكت المساعي الدولية بقيادة فرنسية لانقاذ ما يمكن في الوضع اللبناني المأسوي بعد انفجار بيروت، لكنها فشلت في الوصول إلى خواتيم سعيدة مرتين بسبب تشابك المصالح ضمن الصراع الكبير بين الولايات المتحدة وإيران في الشرق الأوسط.
بعد تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن مقاليد الحكم، أعطى نظيره الفرنسي إيمانوئيل ماكرون شبه موافقة لإعادة الزخم لمبادرته من أجل الحفاظ على نفوذه التارخي في بلاد الأرز الواقعة على حدود إسرائيل والتأكيد على عدم تجاهل دور فرنسا.
على رغم فشله في المرتين السابقتين إلّا أنّ ماكرون مستمر في مساعيه لأنّه يدرك معاني أن يفقد نفوذه في آخر دولة شرق أوسطية، ولذلك يُبدّل في طريقة التعاطي ويذهب مباشرة إلى الدول المعنية كالإمارات والسعودية، في وقت أن الجزء المفقود في مبادرة ماكرون "التفقدية" هي عدم شمول زيارته الدولة المعنية أولاً بالستاتيكو الذي وُضِعَ فيه لبنان، أي إيران التي لها الكلمة الفصل.
وفي السياق، تؤكّد بعض المصادر الديبلوماسية أنّ "توتّر العلاقات الفرنسية-الإيرانية في الفترة الأخيرة أرخى بظلاله على تحرّك ماكرون، خصوصاً بعد اتهام وزير الخارجية الفرنسية جان-إيف لودريان طهران بتخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية، في وقت شنّت الخارجية الايرانية هجوماً على فرنسا قائلةً إن عليها الانتباه قبل الادلاء بتصاريح غير مدروسة.
كما المحاولات السابقة، وافق الأميركي أن يحاول الفرنسي نزع أي موقف مختلف من الأطراف في لبنان والتي تولي لها الولاء الخارجي، في ظلّ استمرار الموقف الضاغط على الجمهورية الإسلامية عبر مطالبة بايدن بوقف تخصيب اليورانيوم والعودة بالكامل إلى الاتفاق النووي من أجل رفع العقوبات، بينما الجديد في التحركات هذه المرة شمولها الدول الخليجية من مصر والسعودية والإمارات وقطر.
فبين عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت ولقائه السفير الروسي بحثاً في الوضع اللبناني وزيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل الثاني لبنان واقتراح البطرك الراعي عقد مؤتمر تحت رعاية الأمم المتحدة لانقاذ الوضع اللبناني من أجل حلّها توازياً مع نداء البابا فرنسيس وقوله ان "لبنان يمر بأزمة داخلية وخطر فقدان هويته"، آملاً في أن يشهد البلد التزاماً سياسياً وطنياً ودولياً يساهم في تعزيز الاستقرار".
وسط هذه التطورات، يمكن الاستنتاج أن هناك مساع دولية وعربية لكن تحرك ماكرون يدور في حلقة مفرغة آملاً في إيجاد مخرج لمبادرته التي يقودها بموافقة أميركية مختلفة عن سابقاتها وفق ما يعتقد. إلّا أنه يدرك أن واشنطن ما زالت تتشدّد وترفض مشاركة حزب الله في الحكومة والأخير يصّر على ذلك، وبالتالي لا مجال للتقدم من أجل حلّ والدوامة نفسها مستمرة منذ نحو نصف عام.
إلى ذلك، يجب عدم إغفال مدى تأثير اغتيال لقمان سليم على المشهد اللبناني حيث تسابقت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة للاستنكار والمطالبة بتحقيق لمعرفة خلفياته، فضلاً عن وجوب البحث عن مغزى مطالبة السفارة الألمانية بتأمين حراسة لبيت عائلته.
هل بانتظار لبنان أحداث أمنية تزداد حدّة العنف فيها تمهيداً لابرام اتفاق بين القوى السياسية وتأليف حكومة مثلما حصل بعد احداث ايار 2008 التي مهدت لاتفاق الدوحة؟