الشاعر هنري زغيب
في السائد أَنَّ الوطن شعبٌ يُقيم على أَرضه، وخارجَها في أَوطان العالم.
وفي السائد أَنَّ الدولة سُلطةٌ مكلَّفَةٌ إِدارةَ شؤُون شعبها على أَرض الوطن، ولا سلطةَ لها على شبر خارج أَرضه.
هكذا، يوكِل الشعب مصيره إِلى أَركان الدولة ليَكون كلٌّ منهم في خدمة كلٍّ من أَبناء الشعب.
في خدمة شعب الوطن، يعني أَنَّ الدولة خادمةُ الشعب، يعني أَنَّ أَركان الدولة هم الذين في خدمة الشعب، يعني أَنَّ الشعب هو السيد على كلِّ سياسيٍّ خادمٍ في الدولة من رأْس الدولة إِلى أَصغر موظفٍ رسميٍّ فيها، يعني أَنَّ السياسيَّ خادمُ الشعب، من هنا اسمه بالإِنكليزية Public Servant وبالفرنسية Servant public.
بهذا المنطق - وهو دامغٌ لا لُبْس فيه بأَنَّ الشعب هو السيَّد والسياسيَّ هو الخادم - على الخادم أَنْ يَخدُمَ سيِّده بأَفضل الطرق وأَنْزَهِها، حتى إِذا أَخلَّ الخادم بواجباته - تقصيرًا أَو إِهمالًا أَو خيانةً صُغرى أَو خيانةً عُظمى - يتولَّـى السيِّدُ طرْدَ خادمِه واستبدالَه بآخَر أَفضلَ منه وأَجدى وأَنفع.
معيارُ الخدمة العامة على مستوى الوطن: تأْمينُ الأَمن الوقائي والأَمن الصحي والأَمن الاجتماعي والأَمن الغذائي والأَمن العسكري والأَمن الأَمني. وما دام المخدوم (أَي الشعب) يؤَدِّي حُقُوق خادمِه (أَي رجل السياسة) فعليه أَن يُؤَدِّي واجباته كاملةً طالما باقيةٌ ثقة الشعب به.
هكذا، وشعبُ لبنان أَوكلَ خدمته إِلى طاقم سياسيين وثِقَ بهم، طبيعيٌّ إِذًا أَنْ يسحب ثقتَه من هؤُلاء الذين، منذ عقود، سلَّمَهم شُؤُون حُكْمه فَتَحَكَّمُوا ولم يَحْكُموا، واستحْكَموا ولم يُحَاكَموا، وطبيعيٌّ أَن يَحين يومُ محاسبتِهم وطردِهم بقرار من محكمة الضمير.
وإِذا في السائد أَنَّ "صوت الشُعوب من صوت الله"، فصَوتُ شعبنا اليوم، وهو من صوت الله، يقول لخُدَّامه السياسيين: "إِنصرِفوا، لم تكونوا على مستوى الثقة، وسوف نستبدِلُكُم بِخُدَّام آخرين أَكثرَ منكم أَمنًا وأَمانًا وثقة".
ويقول الشعب أَكثر: "جئْنا بكم كي تكونوا خُدَّامنا وتنفِّذوا مصالحَنا الوطنية، فجعلتمُونا خُدَّامًا لديكم تنفِّذون بنا مصالحَكم الشخصية".
ويقول الشعب أَيضًا: "وطنُنا وطنُ الحرية والكرامة والسلام والعيش الواحد، وأَنتم قزَّمتُم الوطن إِلى دولةٍ/مغارةٍ لصفقاتكم وسمسَراتكم على حساب الشعب والوطن، وكنتُم أُمِّيِّين جاهلينَ قيمةَ لبنان الوطن، وطنِ النهضة والحضارة بفضْل شعبه على أَرضه واللبنانيين في العالم".
ويقول الشعب كذلك: "لا يُمكن أَنْ ينقلبَ الخادمُ جلَّاد مخدومِه، وأَنْ يكونَ الشعبُ ضحية خُدِّامه الذين يعيشون من خبز الشعب فيَنْقَلبون عليه بكل وقاحةٍ ويسرقون خبز الشعب فيكون الشعبُ هو الضحية".
ولأَن هذا لن يكون، لن يكونَ لبنانُ الوطنُ السيِّدُ ضحيةَ لبنان الدولةِ الخادمة.
مسيرةُ القدَر أَنْ يظلَّ السيِّد هو السيِّد والخادم خادمًا، وأَن يخلعَ السيِّدُ خُدَّامه عن مسؤولياتهم التي خانوا أَمانتها، ويستبدلَهُم بخدام أَوفياءَ لِــلُبنان اللبناني، يخدمون لبنانَ الدولة فيجعلُون دولته مستحقَّةً حقًّا ومستاهلةً فعلًا أَن تكون خادمةَ لبنان الوطن.