النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
منذ احتراق المبنى البلدي العريق، وأنا أبث حرقتي على الشاشات وفي الإذاعات، إلى أن شكّلت ضمّة من حزن وذكريات وعناد في افتتاحية "النهار" للثلاثاء القادم، بعنوان " من يذبح الليمون"، ولذلك لن أُضَمِّن هذه المقالة ما سبق وقلته، أو ما سيجري نشره في الغداة، وآثرت أن أضمّنها مقطعاً قصيراً من سيرة ذاتية شعرية، كربيب للمراحل المؤلمة التي عانت منها طرابلس، لأنتقل بعدها إلى نصّ نثري مكثّف لنزار الدمشقي قاله تقديماً لأمسية شعرية دعاه لإحيائها نادي موظفي نفط العراق في طرابلس أواخر الخمسينات في شهر نيسان.
إِنَّني لا أكْتبُ التَّاريخَ...
لكِّني رَبيبُ الـمَرْحَلَهْ
عِشْتُ فيها...
وَلِساني مُثْقَلٌ بالحَوْقَلَهْ
هَلَكَتْ مِنِّي عقودٌ في طَريقِ الجُلْجُلَهْ
وَبَلَوْتُ العُمْرَ حتَّى أرْذَلَهْ
فَرَأَيْتُ الشَّعْبَ نَهْبًا...
لنِضَالِ السَّفَلَهْ.
شِرْكَةُ الإجرامِ...
رأسُ المالِ فيها... من سهامٍ غادراتٍ مُغْفَلَهْ
وقلوبٍ مُقْفَلَهْ
فَيَمينُ الشَّرِّ
طاحَتْ بِشِمالِ البوصَلَهْ
زَوَّرَتْ مِنْ مَحْضَرِ التَّاريخِ فَصْلًا...
فَرَماها في سِجِلٍّ...مَزْبَلَهْ
صارتِ "الفَيْحَاءُ"...
صُنْدوقَ بَريدٍ لِرَصاصِ القَتَلَهْ
جَنْدلوا اللَّيْمونَ...
عَرَّوْا ظَهْرَها مِنْ خُضْرَةٍ...
مُنْسَدِلَهْ
خَنَقُوا الأكْمامَ حتَّى حَشْرَجَ العِطْرُ...
أحَالوا مَنْزِلَهْ
غابةً... في ظلِّ فأْسْ.
أما نزار قباني فيقول:
حين سُئلت أن أعطي أمسية شعرية في مدينتكم الحلوة لم أستطع أن أقاوم الدعوة المغرية. فطرابلس في هذه الأيام الربيعية هي قارورة طيب ... ومن ذا الذي يرفض السكنى في قاروة طيب؟..
عند مشارف مدينتكم استقبلتني رائحة زهرات الناريج والليمون، ملأت صدري وملأت ثيابي. حتى خُيِّل إلي أن حدود مدينتكم مصنوعة من رائحة الجنة...
هل تريدون لمدينتكم حدوداً أحلى من هذه الحدود التي لا تُرى ولا تُلمس.
هذه أول مرة أقف فيها على منبر من صنع نيسان..
هذه أول مرة أقرأ فيها شعري، وأنا واقف على أجفان زهرة، وأنا مختبىء في زهرة..
في طريقي إليكم كنت أفكّر في القصائد التي سأقرأها عليكم..
أحسست بالحزن حين رأيت المزراع على طول الساحل تشتعل بألوف القناديل البيضاء والحمراء، وبألوف القصائد..
وسألت نفسي:
ماذا تستطيع قصائدي أن تفعل في مدنية تتسلّق القصائد على أشجارها ونوافذها، وسقوف منازلها..
أنا حزين لأنني لا أستطيع أن أضيف فلذة جمال واحدة إلى هذا المرفأ الذي يغزل الجمال كما يغزل العيون الاسبانية اللؤلؤ الأسود...
ألا صدق ذلك الطرابلسي العتيق إذ قال:
لو رشحت نفسي لرئاسة البلدية لخاطبت الناخبين بسطر واحد " أيها الطرابلسيون، أتعهد أن أعيد مدينتكم 50 سنة إلى الوراء".