الشاعر هنري زغيب
ماذا أَن يقول رئيسُ فرنسا إِيمانويل ماكرون قبل يومين (الجمعة 28 كانون الثاني): "عاطفتي تتَّجه نحو شعب لبنان الرائع، لأَن حكَّام لبنان لا يستحقُّون بلدهم التعدُّدي الذي قدَّم للعالم نجاحات فكرية وثقافية رائدة"؟
ماذا أَن يقول وزيرُ خارجية فرنسا جان إِيـڤ لودريان قبل خمسة أَشهر (الخميس 27 آب 2020): "لبنان يواجه خطر اختفاء الدولة، طالما سياسيُّوه لا يشكِّلون حكومة جديدة تنفِّذ إِصلاحات ضرورية للبلاد، ما قد يتسبَّب باختفاء لبنان؟"
اختفاء لبنان؟
يعني أَن يجيْءَ يومٌ يقال فيه: "لبنان كان مستشفى الشرق"، و"لبنان كان جامعة الشرق"، و"لبنان كان مطبعة الشرق"، و"لبنان كان نظام الشرق المصرفي"، و"لبنان كان مصيف الشرق"، و"لبنان كان مرنى الشرق ودُرّة المتوسط"؟
لبنان... "كان"؟؟؟
في اللغة أَنَّ "كان": "فعلٌ ماضٍ ناقصٌ". فهل قادة لبنان الذي صَرَفوا ثروات لبنان يريدون أَن يصرِّفوا لبنان بصيغة "الماضي الناقص"؟
شعبُ لبنان الذي اجترحَ عجائب الابتكارات والإِبداع في الشرق وفي العالم، يريد حكَّام لبنان أَن يجعلوه شعبًا "كان" له وطن؟
وما قيمةُ هؤُلاء القادة والحكَّام والسياسيين حين يصبح لبنان "الوطن الماضي الناقص"؟
ما قيمتُهم؟ هؤُلاء الآنيَّون الموَقَّتون العابرون الزائلون، ما قيمتُهم من دون شعب لبنان الذي ما زال يَشِعُّ عطاءاتٍ وعباقرةً ومبدعين في جميع دول العالم؟
ما قيمتُهم إِذا غدا مصير لبنان كمصير الأَندلس في آخر أَيام ملوك الطوائف الذين ظلُّوا يتناحرون على حُكم الأَندلس، والأَندلس تنهار على أَيامهم، حتى جاء بنو الأَحمر وانتهى آخرُ ملوكهم أَبو عبدالله الصغير واقفًا على شرفة قصره يتأَمل باكيًا كيف تزحل الأَندلس أَمامه ويحتلُّها الإِسـپـان، وأُمُّه تُوبِّخه لائمةً بعنف: "إِبكِ مثل النساء مُلْكًا مُضاعًا لم تحافِظْ عليه مثلَ الرجال"؟
ما قيمتُهم، سياسيُّو لبنان، إِذا انهارت الدولة وتلقَّفَها حُكْمٌ آخرُ شرقيٌّ أَو غربيٌّ أَو أُمميٌّ، وهم واقفون على شرفات قصورهم يَـبْـكون ضياع لبنان بسبب تناحُرهم وتقاتُلهم ومناكفاتهم وعناداتهم المحاصصاتية وكيدياتهم السياسية؟
ما قيمةُ الحكَّام والقادة السياسيين حين ينزلق شعبُهم إِلى الهاوية ويصبح بلَدُهم في خبر "كان"؟
"كان": هو "الفعل الماضي الناقص"، فهل هؤُلاء القادة السياسيون والحكَّام الفاجرون يريدون أَن يصبح لبنان "الوطن الماضي الناقص"؟
لا. أَبدًا. لن يكون لبنانُ ضحيةَ حكَّامه وقادته وساسته وسياسييه، يصرِّفونه "الفعل الماضي الناقص" ولا "الوطن الماضي الناقص".
لبنانُ الذي بناهُ شعبُه، لا سياسيوه، فسطَعَ جيلًا بعد جيلٍ وطنًا رائدًا في هذا الشرق، سيجعلُ من قادته أَفعالًا ماضية ناقصة، وسيبقى هو الفعل المضارع الذي يضارع المستقبل، ويصارع القدر السياسي، ويخطُّ لهذا الشرق ملحمةَ العصر بطولةَ شعبٍ بنى وطنًا قادَه سياسيوه إِلى الحريق لكنه لم يحترقْ بل هُمُ احترقوا، وسيشهد العالم غدًا ساحاتٍ من التينات اليابسة، معلَّقٌ عليها يوضاسيُّون كثيرون كثيرون من سياسيِّـيه الخائنين.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا