"الدولة المدنيّة" تعبير غير علمي
"الدولة المدنيّة" تعبير غير علمي

خاص - Friday, September 11, 2020 2:07:00 PM

د.غريس الياس 

إنّ "الدولة المدنيّة" تعبير غير علمي، والمصطلح الأدقّ هو "الدولة العلمانيّة".

دستور لبنان دستور مدنيّ لا ينصّ على عقائد ولا يقوم على أسسٍ دينيّة، أي بالأساس لبنان "دولة مدنيّة".

العلمانيّة ترتبط بالدولة، وهدف السلطة هو السيادة الشعبيّة، وهي تقنيّة لتنظيم العلاقة بين الدين والدولة.

الطائفيّة السياسيّة ترتبط بالنظام، وبتوزيع السلطة بين القوى الموجودة في المجتمع، فالطائفيّة السياسيّة ترتبط بالنظام السياسي، أمّا العلمانيّة فترتبط بالدولة. المبدأ العامّ للدولة اللبنانيّة هو كونها دولةً علمانيّة.

لبنان دولة علمانيّة ذات مظاهر دينيّة، ومجتمعه أيضاً يقوم على مظاهر دينيّة، ويظهر ذلك في الأحوال الشخصيّة.

الدولة اللبنانيّة دولة مؤمنة وليست دولةً دينيّة، أي أنّ الدستور يؤمن بفكرة وجود الله ولا ينطبق عليه دين معيّن، فلا تشكّل "فروض الإجلال لله تعالى" الواردة في المادّة التاسعة من الدستور اللبناني، أيّ مسٍّ بحياد الدولة تجاه الأديان.

والقوانين اللبنانيّة لا تستند إلى عقيدةٍ إيمانيّةٍ معيّنة، والقضاء يصدر أحكامه باسم الشعب اللبناني وليس باسم أيّة سلطةٍ دينيّة، وإنّ قوانين الأحوال الشخصيّة التي تخص مختلف الطوائف هي الاستثناء وليس من شأنها أن تقوّض المنظومة الحقوقيّة للدولة التي تبقى بكلّ هيكليّتها منظومةً مدنيّة. 

ففي لبنان تتعايش الدولة العلمانيّة مع المجتمع غير العلماني.

والعلمانيّة ليست فلسفةً بديلةً عن التعاليم الدينيّة، ولا هي تنظيم بديل عن الطقوس والشعائر الدينيّة، بل هي ترجمة تقنيّة على صعيد الدولة للتحوّل المتمثّل في إعادة صياغة السلطة السياسيّة وبُنية الدولة، بمعزلٍ عن المعطى الديني ووفق مقتضيات إرادة الجماعات البشريّة والضرورات العقلانيّة والزمانيّة والمكانيّة. العلمانيّة تعني الحريّة والخيارات في الشأن الديني، أي أنّ الدولة لا تعتنق أيّة عقيدة.

في لبنان، الفرد ينتمي إلى طائفةٍ والطائفة تبني النظام، إذا ألغينا الطائفيّة لن يلغى الانتماء الطائفي بل ستلغى قاعدة المشاركة السياسيّة في بناء النظام ويحلّ محلّها تفرّد الطرف الأقوى، ما سيسمح له بممارسة الإقصاء تجاه الآخرين على أساس انتمائهم الطائفي تحت ذريعة عدم جواز حفظ الضمانات لأحدٍ عملاً بإلغاء الطائفيّة. فإنّ انتماء المواطن في لبنان يتمّ عبر الطائفة. النظام - الطائفة - الفرد، ولا يمكننا التحدّث بتنظيم شؤون الدولة بمعزلٍ عن المجتمع.

الدولة هي سلطة تنظيميّة وليست مرجعيّةً معتقديّة، بمعنى آخر فالدولة تنظّم الروابط الماديّة بين المواطنين وليس لها أيّة علاقةٍ بالمعطيات الفكريّة والروحيّة لهم. والطائفة في النظام السياسي اللبناني معناها سياسي، أمّا معناها الديني فمحصور فقط في الأحوال الشخصيّة، إذاً فالطائفة هي انتماء ثقافي.

وعليه، فإذا اقتنعنا بأنّ موضوع العلمانيّة هو غير موضوع الطائفيّة، نجيب بأنّ للدولة اللبنانيّة علمانيّةً خاصّةً بها. فلا يمكن مقارنة حالة علمانيّة لبنان بعلمانيّة فرنسا مثلاً، فلبنان حالة خاصّة. وبالاجمال، لا تتطوّر أيّة منظومةٍ إلّا ضمن سياقها الذاتي في التغيير.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني