كريم حسامي
بدأت تظهر ملامح النظام العالمي الجديد في منطقتنا العربية بشكل واضح وهي عبارة عن مشاريع عدة تُعَد الحلقة الأولى في العمود الفقري لوضع حجر الأساس لهذا النظام.
الأمثلة عن المشاريع هي "الشام الجديد" و”نيوم"، وإسم "الشام الجديد" يدّل على بلاد الشام الجديدة، فالمرحلة المقبلة تكون عبارة عن مشاريع متداخلة في الشرق الاوسط.
مشروع "الشام الجديد" يختلف كُلّياً في تركيبته عن الشام التقليدي لأنّ المشروع الحلم من المفترض أن يربط العراق بمصر من خلال الأردن ليكون نسخة مصغّرة عن الاتحاد الأوروبي، الذي سيرعاه ويُقدّم له الاستشارات والامدادات بالكامل، ليعتمد المشروع في المبدأ على العراق ككتلة نفطية وعلوم البتروكيامياء والهندسة النفطية ومصر ككتلة بشرية والأردن كحلقة وصل بين الكتلتين. وقد تنضم اليها سوريا و لبنان في المراحل المقبلة.
لكن ما جذور هذا المشروع التي بدأت مُناقشة بنود تطبيقه في العاصمة الأردنية عمان بعدَ القمّة الثلاثية التي جمعَت الأسبوع الماضي الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والعراقي مصطفى الكاظمي مع الملك الاردني عبدالله الثاني؟
وطرح الكاظمي على السيسي وعبدالله الثاني المشروع الذي يقوم على التفاهمات الاقتصادية بين الدول الثلاث، إذ يقول الكاظمي إن "المشروع سيكون وفق النسق الأوروبي"، ويتوقع أن يُشجّع الدول على ضخّ استثمارات جديدة في المنطقة.
"الشام الجديد" كان محور دراسة للبنك الدولي طُرحَت قبل سنوات وبخريطة جغرافية أوسع وتتحدث الدراسة عن منطقة تشمل العراق وتركيا وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية ومصر، أي على مسافة 2.4 مليون كم مربع يسكنها نحو ربع مليار نسمة. ويعتمد المشروع على طاقات المنطقة التجارية والاقتصادية والخدماتية والسياحية الكامنة التي من شأنها أن تجعلها منطقة اقتصادية ناجحة عدا عن القواسم التاريخية والثقافية المشتركة التي تجمع شعوبها.
ويركز هذا المشروع على التعاون الاقتصادي وتعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية بين البلدان الثلاثة في خطة ستكون تدفقات رأس المال التكنولوجيا فيها أكثر حرية.
أما المشروعان، فيُضاف اليهما مشروع مختلف تماما تحدثت عنه إسرائيل قبل عام وفكرته تقوم على إسرائيل كجسر برّي والأردن كمركز نقل اقليمي وهنا ستُقام شبكة السكك الحديدية تربط إسرائيل بدول الخليج ولاحقاً العراق لنقل البضائع والمسافرين. ولاختصار المشروع، تكون إسرائيل بوابة نحو أوروبا والولايات المتحدة واللافت انّ أحد أهداف المشروع هو الاستغناء عن مضيق "هرمز" الذي يُشكّل شرياناً رئيساً لدول الخليج وورقة ضغط بيد إيران في آنٍ.
والمشروع الثالث هو مشروع "نيوم" السعودي لمدينة مُخطّط لبنائها عابرة للحدود أطلقه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عام 2017 في أقصى شمال غرب السعودية ويشمل أراض داخل الحدود المصرية والأردنية. وسيتم الانتهاء من المرحلة الأولى لـ"نيوم" بحلول عام 2025، مع إنشاء "مدن ذكية" جديدة وبنية تحتية كاملة للمنطقة تشمل ميناءً وشبكة مطارات ومناطق صناعية، ومراكز للإبداع لدعم الفنون.
وفي السياق، يؤكد مراقبون أنّ "هذه المشاريع تتطلّب بعض التضحيات من الدول المعنية بها تكون عبارة عن دخول قوات أجنبية إلى الأراضي العربية على نحو واسع، وهذا ما تتخوف منه جهات عدة"، مضيفة أنّ "الأمثلة والدلائل على ذلك كثيرة، فهناك وجه شبه بين المطالبة بالحياد في لبنان والعراق اي المطالبة بتحييد البلدين عن الصراعات الاقليمية والالتحاق بالمحاور، خصوصاً بعد إلتحاقهما بالمحور الايراني".
وشددت على أنّ "الدلائل على ذلك تشمل أيضاً وصول قوات فرنسية وأميركية وغيرها إلى لبنان بعد انفجار بيروت تحت غطاء "انساني"، كحاملة الطائرات المروحية الفرنسية "تونير" التي ترسو في المرفأ والشاحنات العسكرية الفرنسية التي تجول في العاصمة مصطحبة الاعلاميين وغيرهم من دون اي مرافقة امنية".
والدليل الثالث البالغ الاهمية، وفق المراقبون، هو تحويل "اليونيفيل" في الجنوب إلى قوات مؤثّرة على الأحداث عبر إعطائها الصلاحية للتصرف كما يحلو لها وفق أجندات مُعيّنة".
اما في سوريا والعراق واليمن، فهناك تواجد لقوات أميركية وسعودية وروسية وغيرها، ويمكن لبعضها الانسحاب وتقليص عددها مثلما حصل مع اليونيفيل أو يمكن استبدالها بقوات متعددة الجنيسة إذا لم ترغب الدول بإبقاء قواتها فترة طويلة.
أما مقدمة هذه المشاريع فهي التسويات التي نراها كالتحالف بين الامارات واسرائيل والتي ستتبعها دول خليجية وعربية أخرى عبر بوابة فتح المجال الجوي السعودي للرحلة الأولى في التاريخ بين تل أبيب وأبو ظبي. هذه التحالفات ستفتح الطريق لاستكمال المشاريع واتمامها لاحقاً توازياً مع بناء وإعادة إعمار الدول التي دمّرتها الحروب كسوريا واليمن والعراق ولبنان، لذلك يُمكن تسميتها مشروع "المارشال" الخاص للشرق الاوسط.
الواضح ان الدول العربية ستدخل في حالة اتحاد للمرة الاولى لكن مع "عدوتها" اسرائيل من اجل تخطي المصائب والحروب عبر "الخروج من المحاور" واتباع سياسة الاعتدال وذلك من اجل وقف الحروب بالوكالة.
أربع مشاريع مختلفة في المنطقة نفسها تتداخل مع الأزمات والحروب العسكرية والسياسية والاقتصادية، فهل تكون مشاريع متقاطعة ومتوازية ضمن تكتّلات اقليمية جديدة؟