فيروز صوتٌ من ضوء في مدينةٍ من نور
فيروز صوتٌ من ضوء في مدينةٍ من نور

خاص - Wednesday, September 2, 2020 8:24:00 AM

الاعلاميّ بسّام برّاك

بين فيروز وفرنسا، سيرةٌ لها في العمر خمسةُ عقود مكتوبة على جبين وطنَين، الأول لبنانُ المتربع على أبهى الجمالات بصوتِ فيروزتنا، والثاني فرنسا المفتقدة صوتا يحملها على زيارة لبنان لتسترجع أصداء مئويته، فلم تجده إلا في حَنجرة فيروز.

ففيروز كتبت على صفحة مدينة النور باريس ضوء صوتها وهَيْكلتِ العلاقة الفنية التاريخية منذ عام ١٩٧٩ في الأولمبيا حيث مدّت صوتها جسرا بين بيروت الجريحة المهدودةِ القلب على أبنائها، وباريس الصديقةِ الخافقة الروح على لبناننا، معلنةً بصوتها الزمني أنّ لبنان رغم شريط الحزن والقصف والدمار مجبول بطينة الحياة، بيد الرب...

ولأنّ صوتَ فيروز أبقى من الصدى، وأعمقُ من الذاكرة، أعادت شاعرةُ الصوت بعد رحيل عاصي إلا من عُرب صوتها ولونِ عينيها، أعادت رحلتَها إلى باريس يرافقها ابنُها زياد عام ١٩٨٨ للقاءٍ ثانٍ متشحة بسواد الحزن متدثرة ببياض الانتظار، مكللّة بتاج صوتها، فغنّت بعنفوان ليقوم لبنان من سكوت ومن سقوط، من تحت أنقاض جمهورية أولى شارفتِ النهاية، واستنبتت بشدوها لجمهورها من سهل صوتها زهرةَ حرية وسط الأيام الأسيرة القاتمة...

حفلة بيرسي توّجت فيروز ملكة تأتي من مملكة تاريخها الى أرض التاريخ، وتزامن حضورُها وتكريما باسم الرئيس فرنسوا ميتران والحكومة الفرنسية بوسام الآداب والفنون برتبة كومندور ، وبتوصيف عرافة الصوت "إنها هبة من الله ...ومن لبنان...ومن المعجزة..." وخاطبها الوزير جاك لانغ: "سيدتي أنت تحفظين وجود لبنان من موجات الاضطهاد .."

السلطات الفرنسية وبغضّ النظر عن مَن يحكم ومن يسوس لبنان، أبقت نظرها الثقافي على شخص فيروز ونجوميتها فسلم السفيرُ الفرنسي في لبنان جان بيار لافون عام ١٩٩٧ وسامَ جوقة الشرف باسم رئيس الجمهورية جاك شيراك تكريما لسيدة "رفضت إخضاع صوتها لقضية الا لوحدة اللبنانيين”... وما التكريمُ المحلّق من باريس الى بيروت إلا دليلٌ من الرئاسة أن طالما لبنان لديه فيروز في أثيره وأرضه وصلاته، فله كذلك فرنسا إلى جانبه في أيّ شدة وضيق ولحظات التخلي عنه مِن حكّامه.

وبعد أربعةَ عشر َعاما على ترداد أثر حفلة بيرسي ووداعٍ منقطع النظير من جمهور أصرّ وألح في القاعة تصفيقا بالأيدي والقلوب والحناجر ليُبقيَ جارة القمر في مداره حتى ينعس القمرُ فوق المسرح، اختارت سفيرة الغناء أن تسكبَ اختمار صوتِها في كأس انتظارات الفرنسيين، فكانت عودةُ عصفورة الشمس على جانح الشوق مطالعَ الألفية الثالثة في حزيران ٢٠٠٢ لتقف بصوتها الأثيري في فضاء " صالة لابلايل" وتغني لبنان المتراكم في جَوانيتها شَجنا وحرية، وتمرّر بلسم غنائها على وجع قضايا العرب المرتقبين يوما عبور جسرَ العودة شاهرين صوتها ظَفرا وانتصارا.

وأمس، لكثرة التمني الفرنسي بإطلالة لفيروز تحجبها بإرادتها عن الملايين، تبنّى إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي خطوة زيارة السيدة في بيتها المتَهيكِل بنقاء تاريخها وعاصي، وجاء بفرنسا كلّها الى الرابيه لمناسبة الذكرى المئوية لدولة لبنان الكبير، فهو ربما بحث عن رمز ولم يجده بين السياسيين، ولم يلقَ إلا في صوت فيروز وطنا أكبر من دولة لبنان الكبير ، فاستبق زيارته الطاقم السياسي بجلسة في حضرة فيروز ليتطهّر بملائكية الصوت تحسّبًا ومناعةً من شيطنة السياسة ووبائها! هناك حصد قمح الكلمة والوطنية بعدما وجد قمح العنبر يموت رخيصا قي مرفأ بيروت والناس يجوعون ...
فماكرون ذهب الى بحر صوت فيروز أولاً في مطلع زيارته الثانية ليعوّض عن مشهد مؤلم أصابه لدى مسارعته في الزيارة الأولى الى بحر أدمع دمعَه الأسود من نار الموت في مرفأ بيروت.

أمس تلقف بقلب يديه لوحة فنية تتماهى وتوشيحات صوت فيروز وهو علّق على زمن صوت فيروز وسامً الشرف الأعلى مدركًا في قرارة نفسه أنه بلقائه السيدة فيروز علّق على صدر رئاسته وساما برتبة أعلى من دولة... رتبة اسمُها: فيروز.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني