الكفاءة والجدارة والمحاسبة على الأداء أساساً لاستعادة الثقة بالدولة وبالمستقبل
الكفاءة والجدارة والمحاسبة على الأداء أساساً لاستعادة الثقة بالدولة وبالمستقبل

أخبار البلد - Wednesday, January 22, 2025 6:36:00 AM

اللواء

 

على مدى ثلاثة عقود ماضية، جرت محاولات عديدة من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة، وبمقادير ونسب متفاوتة، من أجل تبني مشاريع إصلاحية تسهم في تعزيز سلطة الدولة واستعادة قرارها الحر، وفي بناء إدارة فاعلة ورشيقة في إداراتها ومؤسساتها وأجهزتها، تحترم قواعد الكفاءة والجدارة في إيلاء المسؤوليات العامة لأكْفائها في التعيينات والترقية، واعتماد قواعد المحاسبة المؤسساتية على الأداء، وكذلك من أجل ترشيد الإنفاق العام، باحترام الأولويات الوطنية ذات المردودية الاجتماعية والاقتصادية العالية.

ولقد جرى بعض تلك المحاولات الإصلاحية بالتوازي مع سعي حثيث للحصول على دعم عربي ودولي لمساعدة لبنان على تجاوز مشكلاته المتكاثرة، الداخلية وتلك الناتجة عن الصدمات الإقليمية والدولية.

وبالفعل، حَظِيَ لبنان بما لم يحظَ به بلدٌ آخر في الشرق الأوسط من عناية واهتمام ورغبة في مساعدته من قبل الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم، وللبيان تكفي الإشارة إلى المؤتمرات التي عقدت من أجل تقديم العون للبنان بالتوازي مع قيامه بمساعدة نفسه، عبر التزامه بإجراء الإصلاحات السياسية والإدارية والمؤسساتية والاقتصادية والمالية التي كانت تتعاظم حاجته إليها. من ذلك مؤتمر أصدقاء لبنان في واشنطن (1996)، ثم مؤتمرا باريس الأول (2001)، والثاني (2002)، ومؤتمر استوكهولم (2006)، ومؤتمر باريس الثالث (2007)، ومؤتمر فيينا (2008) ومبادرة المغفور له بإذن لله تعالى جلالة الملك عبد لله بن عبد العزيز، لدعم الجيش اللبناني بمبلغ ثلاثة مليارات دولار إضافة لمبلغ المليار دولار التي قدّمها للبنان (2013)، ومؤتمر سيدر (2018).

المفارقة أنَّ تلك المسيرة الحافلة بالنيات الطيبة للتقدم على مسارات تنفيذ الإصلاح الحقيقي، كانت تصطدم باستعصاء شديد ومزمن على الإصلاح، حال دون تحقّقه، ومارستْه مجموعات سياسية وحزبية داخلية وقوى إقليمية، فكان من نتيجته إجهاض معظم تلك المحاولات وتضييع تلك الفرص، حيث سمع اللبنانيون مراراً وتكراراً، ما نقله الأشقاء والأصدقاء: «لن نتمكن من مساعدتكم، ما لم تساعدوا أنفسكم!».

أستعيد هذه المحاولات لأُبيّن خطورة ما وصلت إليه حال إدارات الدولة اللبنانية ومؤسساتها وأجهزتها، حيث باتت طاردة للكفاءات الجديدة، بدلاً من اجتذابها، وحيث ازداد تفشي الممارسات الزبائنية، وازدادت حدّة التشاحن بين معظم الزعماء والسياسيين والأحزاب في التسابق على تحاصص مختلف المواقع في الدولة اللبنانية وفي مراتبها كافة. بذلك لم تعد الإدارة اللبنانية فاعلة، كما يفترض بها أن تكون، وباتت مجموعات متناثرة من مواقع النفوذ التي يسيطر عليها معظم السياسيين والزعماء من أجل السيطرة على قواعدهم الانتخابية، بإثارة المخاوف من المكونات الأخرى في لبنان، وبتقديم الإغراءات والمنافع والخدمات الشخصية لتلك القواعد على حساب الدولة، أملاً في تأبيد تسلّطهم.

ذلك ما أدّى بطبيعة الحال إلى أن بات المواطن اللبناني أسير قواعد الزبائنية السياسية؛ إذْ أصبح حصوله على أي من حقوقه في تسلُّم أي موقع، أو في الحصول على ترقية، أو في تأمين الحد الأدنى من الحصانة له، ليس رهناً بمستوى كفاءته وجدارته أو أدائه أو تفانيه في عمله، بل بمقدارِ ما يتمتع به من رضى أولئك الزعماء والسياسيين، وبمدى استعداده للانصياع لمشيئتهم. ولذلك، فقد باتت الأمور تجري في الإدارة العامة اللبنانية خلافاً لأحكام المادتين 12 و95 من الدستور اللبناني، الذي- وبالمناسبة- لا يخصص أي موقع من المواقع في الإدارة اللبنانية لأي طائفة أو مذهب في لبنان، ولا يحظر أي موقع على من ينتمي لأي طائفة أو مذهب. وهكذا، تحوّلت الإدارات العامة ومؤسساتها وأجهزتها إلى إقطاعات للزعماء السياسيين، وباتت تُعاني من تضخُّم في الحجم ونقصٍ فادح في الكفاءة والإنتاجية، كما باتت تشكّل عبئاً ثقيلاً ومتزايداً على مالية الدولة اللبنانية، وكذلك وسيلة استنزافٍ غير مُجْدٍ لمواردها المتناقصة أصلاً بسبب الأزْمات المتوالية على لبنان.

يجب التأكيد هنا، أنَّ الإدارة العامة في نظامنا الديمقراطي البرلماني اللبناني، في المبدأ كما في معظم الأنظمة الرشيدة، ينبغي أن تكون إدارةً محايدةً، بمعنى أنها للموظفين جميعهم على اختلاف انتماءاتهم الدينية أو المناطقية أو الحزبية، وأنَّ ولاءَها الوحيد والحصري يجب أن يكون للدولة، ولجميع المواطنين دون تمييز أو انحياز. فإدارة الدولة للشأن العام ليست في الأساس حقلاً لجني المنافع الخاصة، أو لحشر طوابير من المحاسيب والمنتفعين. ولكنها، كما يفترض بها، إدارة راقية وصحيحة لتحقيق المنافع العامة. كذلك ينبغي أن تكون خلّاقة ومحفّزة للنمو ولفرص العمل الجديدة في القطاع الخاص، باعتبار أنّ 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني