النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
بعد "ناقوس" الأحد الماضي لفتني الصديق الشاعر هنري زغيب من باب التصويب الى أنّ قصيدة "يا شام عاد الصيف متئدًا"، هي شعر منصور رحباني لا سعيد عقل، وأنّ هنري أصدق إنباء من الغوغل، فاقتضى التنويه والاعتذار لكم ولمنصور الرحباني الشاعر الفريد الذي نهبوه أيضًا أبوّة قصيدة "لا تسألوني ما اسمه حبيبي" ونسبوها إلى نزار قباني.
أمس قرأت عن قطعة أرض مساحتها عشرة آلاف متر مربع، قرب دمشق تحتوي على مئة ألف من الجثث المكبوسة، فباتت بذلك المكان الأعلى كثافة سكانية في العالم، إلا إذا كانت ساحة حماة وصحراء تدمر تنافسانها على هذه الرتبة الرهيبة. بعد أن يرتكب القاتل جريمته الأولى، يتعطل في نفسيته عداد ضحاياه، فمن يأبه للأرقام، طالما أننا كلنا موتى، ولكن عندما تنقلب الظروف، فإن الجلاد يقضي النهار بتحسس عنقه حين يعجز عن تذكر الأعناق التي شنقها، ويكابد أحلامه التي تشن عليه في نومه وجوه من مارس عليهم وحشيته.
لن يكف الكلام عن سوريا طيلة زمان قادم، ولن يكف بالتوازي الكلام عن لبنان الذي يتأثر بحكم الطبيعة بالأوضاع السورية، ومن هذا، فإنه، وكما لدى السوريين هواجس عديدة عن الشكل الذي ستسفر عنه الانتفاضة السورية، فإن كثيرًا من اللبنانيين يخشون من مفاعل سوري يخشى انفجاره، وتسرب اشعاعاته إلى الداخل اللبناني بما يقتضي أقصى درجات الحذر والاحتياط، بإعادة تركيب السلطة بحيث يكون صمام أمننا من داخلنا لا مما ستؤول إليه أمور الحكم في سوريا. ولكنني، ومن أسف ألاحظ أن أفرقاء لبنانيين سياسيين يستسلمون إلى غريزة الكيد والنعر في النفوس، وإعلان الانتصار من غير أن يكون لهم دور عملي في النتائج السياسية التي خلفها العدوان الإسرائيلي، أو في إسقاط النظام الاستبدادي في سوريا.
تغيّرت الأمور، فعلاً، وتغيّرت موازين القوى معها، لكن الإحساس العالي بالمسؤولية يجب أن يتخطى العواطف ومشاعر الغضب أو النشوة، ذلك أنّ من أهلنا قومًا كثيرًا يعاني من فقدان منزله، وانهدام قريته، وخسارة قيادته، وفقدان أبنائه، ولجلجلة كلمته، وهذا بحد ذاته مدعاة لأن يتلاقى اللبنانيون من مختلف طوائفهم على مضمون البيان الذي صدر في دار الفتوى بحضور الرؤساء ميقاتي والسنيورة وسلام، فالواجب يقتضي أولًا مداواة الجروح واستعياب الغضب والجموح. وكم فقد أسفت إذ شاهدت النائب المثقف ابراهيم موسوي، يصف أحد رجال الأمن بالحيوان، فيما يقول رب العالمين: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وأسفت أكثر لتلك الحملة الظالمة المتجاوزة للأصول التي خرجت من إحدى المحطات التلفزيونية ضد النائب العام التمييزي بالتكليف القاضي جمال الحجار، حيث لم يتورع أحدهم بأن يزعم انّ الإعلام قضاء فوق القضاء، دون أن يوفر الرئيس الحجار من تهم الزبائنبة والرضوخ لإرادة حزب الله وما إلى ذلك مما أعف عن ذكره.
لقد أتيت على ذكر هذا لأخلص إلى ما يلي:
- لا سلطة فوق سلطة القضاء، مهما كان الزاعمون جهيري الصوت، وجاحظي العيون.
- لن يستسيغ اللبنانيون بعد كل الذي جرى، سياسة القمصان السود والتهديد ولوي عنق الأحكام القضائية.
ج- إن وظيفة المدعي العام التمييزي ذات وجهين، سياسي وقضائي، ولقد فعل حسنًا القاضي الحجار باستعمال سلطته الاستنسابية بترك الإعلاميات قيد التحقيق من باب درء التداعيات.
د- إن المحطة المشار إليها تعرضت لظلم كبير أثناء العدوان، ولها الحق الكامل بمراجعة القضاء، من غير أن يكون لها أي حق بأن تملي عليه ما سيقرره.
هـ - إن رئيس تحرير المحطة التلفزيونية الصديق وليد عبود هو من أعرف الناس بصفات جمال الحجار وعلمه واستقامته ونزاهته وشجاعته، وذلك من خلال معرفته أن شقيقه رئيس مجلس القضاء الأعلى السامي الاحترام، هو الذي كلّفه بإملاء الشغور، فمن أدرى إذن من الشقيق بدقة معايير شقيقه؟