لترميم ما تبقّى
لترميم ما تبقّى

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Sunday, December 29, 2024 11:13:00 PM

 
النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
 
 أبدأ بمعايدتكم بمناسبة الميلاد ورأس السنة وأتوجه بصورة خاصة إلى الأخ البرفسور إميل يعقوب بعاطفتي وتعزيتي على فقدان زوجته الدكتورة غراتا قره بتيان، أم الأطباء الأربعة وثكلى المرحوم الدكتور فادي، وأقول له صبرك الله على هذا الابتلاء، وعوّض عليك بأبنائك وأهلك وطلابك وبرّد جراحك وهدّأ روعك وحزنك. وأنجز مسعاك مع زملائك العلماء في تأسيس مجمع اللغة العربية في بيروت.
   
لا تخبّىء الأعياد المفاجآت السارة، ولكن من ابتكر شخصية بابا نويل، أراد أن يدخل السرور إلى الأولاد، والبشرى إلى أهاليهم، فأصبحت شجرة الميلاد عنوانًا للثلج الواعد والاخضرار، وصارت السنة الجديدة مدعاة فأل بأيام سعيدة، بعد أن تنال المنصرمة، ما تناله من اللعنات.
يقول الشاعر: نعيب زماننا والعيب فينا، ولكننا في هذه الأيام، نعول كثيرًا على نتائج طيبة، كما نعول على إرادات طيبة وعقول ذكية لالتقاط لحظات تاريخية، قرّبت الناس من بعضهم، رغم الخراب والدماء والتشريد.
الميلاد هذه السنة ينبئنا بأن التاسع من كانون الثاني قد يحمل لنا ما نتمناه من إعادة تشكيل السلطة رئاسة وحكومة وانتظامًا تحت سقف الدستور والقوانين.
 
في هذه الأيام ينظر اللبنانيون إلى جيشهم الذي يستعيد المواقع التي خرّبها العدوان المجرم، فيرون في حزمه وعزمه وانضباطيته أمارة دالة على أن الدولة تملك من القوة ما يؤهلها لتخطي عهود الفوضى والفتن وأنها ستنهض واحدة موحدة على حساب الإمارات والدوقيات، والمناطق المغلقة. لكنها في أصلها ليست سلطة الردع، فالردع استثناء، والقاعدة تقوم على ولاء المواطنين للقوة الناعمة المتمثلة في أمن مستتب، واقتصاد قوي وتعليم إلزامي يواكب العصر، وبيئة نظيفة، وإدارات محلية ذات صلاحيات واسعة تؤهلها النهوض بالمجتمعات المحكومة طويلاً جدًا بالمركزية المتكلسة. هذه السلطة الناعمة لا يفترض بها أن تعيش على قلق التطورات الإقليمية التي بقي لبنان مرتهناً لها طوال عقود، ولا على الخوف من نزعات داخلية تحاول فرض مشاريعها بالوسائل غير الديمقراطية، فقد ثبت للطوائف جميعها أنّ أمانها من داخلها، وأن لا مجال لأي منها أن تكون لها الكلمة العليا. بمعنى أن المرشح لرئاسة الجمهورية هو ماروني إلى أن ينتخب، وكذلك بقية الرئاسات والنواب، فكل واحد منهم هو نائب الأمة جمعاء أيَّا تكن طائفته أو الدائرة التي انتخبته، فالتوزيع الطائفي للمناصب والوظائف هو من قبيل ضمان وحدة التمثيل الشعبي، ذلك أن حق كل مواطن محفوظ رصيده في دولته لا في طائفته او مذهبه أو المنطقة التي ينتمي إليها.
 
الآن وفي هذه اللحظات الحرجة، فإن أحدًا لا يستطيع أن ينكر أن الوضع السياسي اللبناني أصبح مؤهلًا داخليًا وخارجيًا للخروج من الشلل المزمن والتآكل القاتل، والمكابرة والتكابر، وإدعاء العفة، ومزاعم النصر، ذلك أننا كنا مسرحًا درامتيكيًا لتمثيل فصل دموي آخر من فصول لعبة الأمم، وكنا نحن فيه الخاسرين لا المتفرجين.
 
فحقّ علينا ترميم ما تبقى بدلًا من أن نلحقه بالأرض اليباب التي أعمل فيها العدوان همجيته. لم يعد هناك من يستطيع أن يتذرع بأن تأليف الحكومة يحتاج لختم الأسد، كما لم يعد لبنان ساحة إسناد او مشاغلة، بفعل ما خلفته الآلة العسكرية الاسرائيلية الأمركية، العمياء والظالمة، ولم يعد معيار القوة مرهونًا بما نملك من سلاح، فالدولة القوية فعلًا هي الدولة التي تعنى بتنمية اقتصادها، وتمتين مشاعر المواطنية، وإقامة العلاقات الوثيقة مع الأشقاء والأصدقاء من باب التكامل لا الاستتباع. إن الدولة القوية بدستورها واقتصادها وتضامن أبنائها، عصية بلا شك على الأطماع الإسرائيلية، لأنه مهما قيل عن دولة العدو فإنها لم تستطع أن تبتلع الفلسطنيين الذي يعيشون تحت سطوة احتلالها ولا هي تنسى مرارة ما ذاقته من مقاومة الشعب اللبنانية، منذ خطت أول رجل إسرائيلية على أول رملة لبنانية.
إلى اللقاء مع رئيس جديد للجمهورية.
 
 
 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني