فيما تنهار ادارات الدولة أمام الأزمات المتتالية وتزداد المشكلات تعقيدا، معرقلة سير العمل في أكثر من قطاع ومجال، يبدو أن هناك من يدفع باتجاه تسريع مسار انحلال الدولة والذي بدأ قبل اعوام.
وفي جديد الأزمات الناتجة عن قرارات اعتباطية وتسرّع في اتخاذ قرارات تحتاج الى دراسات معمّقة مقابل تمييع للقرارات المستعجلة، يسجّل مستوى جديد من الفشل وسوء الادارة، في قرار اتخذه رئيس الحكومة حسّان دياب، بدفع من نائبة رئيس الحكومة في حكومة تصريف الأعمال وزيرة الدفاع زينا عكر.
أمّا نتيجة القرار الاعتباطي، فستنعكس توقّفا تامّا للعمل في عدد من الوزارات والمرافق العامّة، وتأثيرا مباشرا على مصالح الناس، وعرقلة اضافية لحياتهم التي تنهار أسسها تباعا مع انهيار الدولة.
وفي التفاصيل أن دياب، اتخذ منذ فترة، قرارا بإيقاف العمل بكافة مشاريع undp في الدولة اللبنانية، وصرف جميع المتعاقدين، ويبلغ عددهم اكثر من 120 موظفا، وهم عاملون في مشاريع لرئاسة الحكومة ووزارة المالية والـ"omsar" ووزارة التربية، "ايدال" ووزارة الاقتصاد.
قد ينحو البعض الى الاعتقاد بأن هكذا اجراء، يخفّف مصاريف على الدولة اللبنانية الملتزمة بتسديد رواتب متعاقدي الـundp، مقابل مشاريع تموّلها الاخيرة في كافة الاراضي اللبنانية، الأمر الذي سينعكس خسائر عمليا تفوق قيمتها بأميال قيمة رواتب المتعاقدين.
الّا أن الغوص في حقيقة الموضوع للوقوف عند خطورته، يؤكّد أن القرار سيؤدّي الى توقّف العمل كليّا في بعض الوزارات والمرافق على الشكل التالي: توقيف الموظفين سيؤدي الى وقف العمل في "مانيفاست" الجمارك مثلا، سيؤدي الى وقف العمل بمشروع في وزارة العدل تفوق قيمة الاستثمار فيه 12 مليون يورو ويتعلق بمكننة المحاكم وهو مشروع تتكل عليه الدولة اللبنانية بشكل أساسي وقد انطلق العمل عليها في محكمتين وتمّ تدريب الموظفين على الامر ولكنهم لم يتمكنوا من استلام المشروع لعدم الكفاية والخدمة. في وزارة المالية تتوقف عملية اعادة هيكلية الديون في وزارة المالية، كل عمليات الدفع الالكترونية، وكل نظام المكننة والمعاملات الالكترونية ونظام الضريبة على القيمة المضافة وأكثر من ذلك بكثير في ظلّ أزمة اقتصادية ونقدية تتطلّب كلّ العمل الذي يقوم به موظفو الـundp. في وزارة التربية، يتوقّف أيضا كل ما له علاقة بالتطوير والمكننة على صعيد المعاملات والامتحانات والمدارس والنتائج وغيرها، مثلا، قد نعود بالزمن الى سماع نتائج الامتحانات الرسمية عبر الراديو مثلا، الى ذلك وهذا امر بمنتهى الخطورة في زمن كورونا سيتوقف العمل بنظام التعليم عن بعد. وأكثر، omsar تدير الـ web-hosting لغالبية مواقع وزارات الدولة، موظفو الـundp عملوا مثلا على قانون الـE-transaction، على لجنة سلامة الغذاء في رئاسة مجلس الوزراء، على مكننة العمل في رئاسة مجلس الوزراء، مشاريع الـdata classification، على استراتيجية تكنولوجيا المعلومات، وغيرها من المشاريع المهمّة.. باختصار، عودة الى العصر الحجري.
الى ذلك، وفي عزّ الأزمة القائمة اليوم بعد انفجار بيروت، تمّ التخلّي عن فريق العمل الذي عمل على كلّ ملفات عدوان تموز واعادة الاعمار.. بدلا من الاستفادة من خبراته
وفيما كان على الـundp، تدريب موظفي الدولة على القيام بالعمل، تشير مصادر عليمة لموقع vdlnews الى أن المسؤولية الكبرى في هذا الاطار تقع على عاتق الدولة اللبنانية التي لم تؤمّن للـundp متعاقدين يمكن تدريبهم لاستلام المهام، ولم توظّف ذوي كفاءة مناسبين لاستكمال العمل بما بدأت به الـundp. الامر يحتّم إذا، توقف العمل في كل المشاريع التي طوّرت العمل في الادارات والوزارات.
تنصّل الدولة اللبنانية من مسؤولياتها في هذا الاطار اذا، يحتّم الابقاء على متعاقدي الـundp، خصوصا في ظلّ توقّف التوظيف في الدولة اللبنانية.
عمليّا. عادة ما تلجأ الـundp، الى التعامل بالعملة الوطنية، دعما للبلاد التي تتعامل معها. ولكن ما حصل في لبنان هو أن الدولة اللبنانية ومع الأزمة النقدية التي ألمّت بها، رفضت تحويل الرواتب الى الـundp في الخارج، وقد التزمت الدولة بموجب اتفاقية بدفعها بمقابل تمويل الـundp لمشاريع عديدة على الاراضي اللبنانية. خطوة دياب جاءت بعد اعتراض الـundp على دفع رواتب الموظفين على سعر صرف يوازي الـ1500 ليرة، لأنّ الأمر ليس عادلا في ظلّ تواجد 5 اسعار مختلفة لسعر الصرف!
وعمليا ايضا، الكلفة التي تدفعها الدولة اللبنانية كرواتب للمتعاقدين مع الـundp، لا تقارن مع الكلفة التي ستتكبّدها مع توقّف العمل بالمشاريع التي يشغلها هؤلاء.
فما كان من دياب، الّا أن قرّر نتيجة الأمر، ان يوقف عمل أكثر من 120 متعاقدا مع ما يعنيه ذلك من تأثير على اكثر من 120 عائلة، ومن تأثير على عمل المؤسسات.
قرار غير قانوني، لأن قانون موازنة العام 2020 رصد المبالغ لمشاريع الـundp، ووقف المشاريع بالتالي ووقف العقود مع الموظفين يتطلب قانونا في مجلس النواب.
قرار تشير مصادر الى أنه جاء بناء على ردّة فعل ومحاولات "تكبير راس" على الوكالة الدولية، نزولا عند طلب وقرار وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال، من دون اجراء أي دراسة علمية لتأثير الأمر، ومن دون أي دراسة جدوى.
"الأنكى" في الموضوع، أن دياب لم يستمع لاعتراضات الوزراء المعنيين الذين يدركون حجم المصيبة على عمل المؤسسات، ولم يقم بمجهود البحث عن تمويل بديل، أو حتّى القبول بالأمر. والسبب؟ "وشوشة" من عكر.
فعكر، أتت بفريق عملها الخاص الى السراي الحكومي. فريق عمل مواز للفريق الموجود والمؤلف من المتعاقدين في الـundp! فريق عمل أمّنت له التمويل ليقوم بمهام فريق الـundp الموجود والذي راكم خبرات على مدى سنوات، بالاضافة الى الكفاءات التي يتمتع فيها اعضاؤه!
أما الهدف؟ فتسأل مصادر مطلعة على الملف: "هل هناك من يريد، عن سابق اصرار وتصميم، انهيارا شاملا للهيكل المؤسساتي، ليعود ويؤسس بأشخاص على قياسه؟".
قد تبقى الأهداف بخانة الفرضيات. ولكن الأكيد أن التعامل مع هذا الملف يشكل نموذجا لـ"غباء" في اتخاذ القرارات، وعدم دراية، أوصلا البلاد الى ما هي عليه اليوم... وبدلا من أن يخرج دياب بتغيير، سابق المتسرعين تسرعا، و"خبصها". والنتيجة دوما تنعكس على المواطن وحده قبل الجميع.