يبدو أنّ اللبنانيّين سيتعرّفون على بطلة جديدة في مسلسل الفساد المستشري في لبنان. فبعد أن تعرّفوا سابقا على سفينة روسوس المشؤومة التي تسببت بنكبة مرفأ بيروت، سوف نعرّفهم اليوم على بطلة مشابهة الا وهي السفينة جودي. فقد وردت لموقع vdlnews معلومات موثوقة من أكثر من مصدر تفيد بإدخال وشيك لباخرة محمّلة بمادّة المازوت بغية إفراغها في مرفأ طرابلس بتاريخ ١٢ كانون الأول ٢٠٢٤. وأشارت المعلومات الى انّ العملية ملتبسة، بحيث أنّه تمّ تزوير بياناتها الرسميّة. واضافت أن ادخال السفينة يخفي قطبة مخفيّة تشير الى صفقة جديدة وكبيرة. وبعد ان انكشف الموضوع، تم منع السفينة من التوجه من بقعة الانتظار الى نقطة التفريغ لإفراغ حمولتها في اللحظة الأخيرة، بعد أن كانت قد استحصلت على جميع الأذونات والموافقات.
ماذا في التفاصيل؟
بعد التحرّي، تبيّن لنا أنّه فعلا وبالتاريخ المذكور، دخلت سفينة تحمل اسم JUDY الى بقعة الانتظار في مرفأ طرابلس آتية الى لبنان من مرسين في تركيا، بحسب بياناتها الرسمية. ترفع السفينة علم دولة تانزانيا، وقيمتها 4,233,000 دولار (البطاقة التعريفية الكاملة للسفينة مرفقة). لا شيء يثير الريبة في الموضوع حتى الآن. الا أنّ التحقيقات التي أجريناها أخذتنا الى معلومات مخفيّة والى ملفّ فضيحة كبرى في موضوع JUDY، نبرز منها ما تمكنّا من جمعه والتأكّد من صحّته:
إنّ JUDY تأتي بحمولتها من ليبيا وليس من تركيا كما تشير الأوراق الرسميّة التي تمّ حتما تزويرها. وهذا أمرٌ تأكّدنا منه عبر موقع Marine Traffic (صورة مسارها مرفقة)، حيث غادرت الباخرة المرفأ الليبي منذ ٦ أشهر. واللافت في الأمر أنّ جميع الشركات المستوردة للنفط في لبنان تؤكّد عدم استيراد مواد نفطية من ليبيا، حيث تدير مجموعات عديدة شبكات غير شرعية تقوم ببيع المشتقات النفطية في السوق السوداء.
انّ الوجهة الاساسية للباخرة وحمولتها كانت سوريا، حيث وصلت فعلا وحاولت تفريغ حمولتها، ولكن المحاولة باءت بالفشل. فبعد الخروج دون الإفراغ من سوريا، بقيت السفينة في البحر لمدة شهرين، كانت كافية لعمليّة إخراج و"توليف" دخولها الى لبنان لتفريغ حمولة ٣٦٠٠ آلاف طن تقريبا، مع العلم أنّ حمولتها الكاملة هي الضعف اي 6 الاف طن، مما يؤكّد ان البضاعة مشبوهة… وهذه البضاعة ليس لها شهادة منشأ، او ممهورة من شركة مراقبة.
في الإطار نفسه، المثير للاستغراب هو أنّ الاوراق الرسمية تشير الى ادخالها لصالح جمعيّة الصناعيين، التي يُسمح لها بإدخال مشتقات نفطية ذات نسبة كبريت عالية. وهذا أمر جوهري آخر، حيث أن غالبية دول العالم لا تسمح باستخدامها نظرا لمخاطرها البيئية والصحية العالية. وما يثير الدهشة كذلك هو أنّ المنشآت لم يكن بامكانها استقبال الحمولة، فقضى الاخراج باستعمال الخطّ المخصّص لشركة كهرباء لبنان. اضافة، تشير المعلومات الى انّ الشركة الوسيطة التي قامت ببيع المادة عليها علامات استفهام كثيرة، لا سيّما أنّها وبحسب ما تبيّن لنا غير معروفة إطلاقا في السوق. واكثر من ذلك بعد، بقيت الباخرة في المرفأ لمدة شهرين تقريبا، فمن سيتحمل مصاريف حوالي ٨ الف دولار اميركي يوميا؟
في ضوء كلّ ما تقدّم، يبدو لنا أنه لا كارثة انفجار مرفأ بيروت (الذي اقتضى بالأساس اخراجا لروسوس شبيها بإخراج جودي)، ولا العدوان الاسرائيلي، ولا الحرب في سوريا، ولا شيء يوقف الصفقات والسمسرات في لبنان. من هو مالك السفينة ومن يمثّله في لبنان. من المستفيد الفعلي من هذه الصفقة الجديدة على حساب اللبنانيين؟ اين الدولة التي ينبغي عليها التأكّد من كلّ شاردة وواردة، خاصة بعد كارثة انفجار بيروت، وبعد وضع لبنان على اللائحة الرمادية، وفي ظلّ المطالبات الدولية الحثيثة بالإصلاح؟ فبعد كلّ ما عانى منه لبنان، هل يجوز تعريض البلد لمخاطر إضافية عبر الاستيراد المُلتبس والمخالف للقوانين اللبنانية والدوليّة على السّواء؟
هذه مسألة تتولى إدارتها جمعية الصناعيين والشركة التي تمثلهم. وهم مسؤولون عن قانونية البضائع ومصدرها، وليس وزارة الطاقة والمياه في لبنان، ولا تقدم منشآت النفط سوى خدمة التخزين والمناولة. ومن ناحية أخرى قانونيا، من المقبول تماما أن يستخدم الصناعيون زيت الغاز أو الغاز oil لمصانعهم، ووزارة الطاقة حاليا تدخلت بشخص الوزير وليد فياض وقام بإيقاف الشحنة لفحصها اكثر والتأكد من نوعيتها وصلاحياتها واتخاذ القرار النهائي بها، كما ان الوزير فياض طلب كل مسار الباخرة منذ انطلاقها حتى اليوم وحركتها منذ عام ونصف.