بعد غزة ولبنان، حان دور سوريا، التي لم تنتظر بضعة أيام على وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حتى انفجر الوضع الداخلي من جديد فيها ليعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وينسف حوالي عقد من الجهد والسعي لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري بالتعاون مع كل من موسكو وطهران في غضون 48 ساعة فقط.
فالتقدم السريع لهيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد، دفع بالعديد من التساؤلات والقراءات إلى العلن، وعلى رأسها الحديث عن محاولات إقليمية ودولية لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا وبالتالي محاولة قطع طريق طهران – بيروت للعبث بخط الإمداد الحيوي والأساسي لحزب الله.
الكلام هذا يأتي عقب وقف إطلاق النار في لبنان، بالتزامن مع أحاديث وتقارير تشير إلى قرار اتخذ في مطابخ القرار الدولية بتصفية الجناح العسكري لحليف إيران الأول في المنطقة ألا وهو حزب الله.
في قراءة للتطورات المتسارعة في المنطقة بشكل عام وسوريا بشكل خاص، رأى خالد زين الدين رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية عبر vdlnews أن "هدف الفصائل الشيعية الموالية لإيران هو تدعيم خط الإمداد بين دمشق وطهران ويهمّ الأخيرة تعزيز الصفوف عن طريق الورقة السورية لأن الورقة اللبنانية بعد الحرب أصبحت ورقة تتعرّض للكثير من الضغوطات، فإيران تتعرض لضغوطات كبيرة خصوصًا مع اقتراب موعد دخول ترامب البيت الأبيض وهو معروف بأنه رجل حازم، فإيران تحاول التقارب مع النظام السوري لتجهيز ملف التفاوض مع الأميركيين في المنطقة".
وفي ما يخص الدور الروسي على الساحة السورية، فقد اعتبر زين الدين أن "من مصلحة روسيا دخول الفصائل الموالية لإيران لأنها ستدخل بمواجهة مباشرة مع فصائل المعارضة المسلحة والولايات المتحدة، غير أن ذلك سينعكس على الداخل العراقي لأن الحكومة العراقية وعددا كبيرا من العراقيين لا يريدون الدخول بالحرب السورية مما قد يشعل الحرب الداخلية في العراق فنحن أمام متغيرات كبيرة".
وعن توقيت تقدم الفصائل المسلحة كـ"هيئة تحرير الشام" وسواها فقد أوضح أن "تحرك المعارضة السورية والفصائل المعارضة الأخرى بهذا التوقيت كان مدروسًا، فبعد الحرب على لبنان حزب الله غير قادر على خوض حرب أخرى ومساندة سوريا بحيث أن أولوية الحزب اليوم هي بيئته ومناطقه والحرب لم تنته في لبنان، بل إنها مجرد هدنة وأي تحرك من لبنان باتجاه سوريا سيتعرض للضرب".
كما أكد أن "لروسيا مصلحة في تمرير بعض الأوراق لواشنطن كون موسكو يهمّها أن تبقى مسيطرة على النافذة البحرية في الشرق الأوسط عبر سوريا والنافذة الأخرى هي في المناطق الأوكرانية المطلة على البحر الأسود التي احتلتها روسيا".
وتابع: "على الرغم من الاجتماعات بين الروس والإيرانيين واللقاءات والتحالفات، غير أنه من مصلحة روسيا خروج إيران من سوريا لتتقاسم مع الجانب الأميركي الموارد والمقدرات والنفوذ في دمشق، فلطالما كان هناك تعاون روسي أميركي إسرائيلي".
وزين الدين واصل شرحه قائلًا: "هذه المعركة في لبنان وسوريا والعراق لقطع خطوط الإمدادات بين طهران ودمشق وبغداد وبيروت وستؤدي إلى تعرّض المرافئ والموانئ إلى رقابة شديدة إسرائيلية والدليل على ذلك هو عدم السماح للطائرة الإيرانية بالهبوط في مطار دمشق والقرار حازم في هذا الإطار، فالموانئ السورية ستكون تحت رقابة إسرائيلية شديدة وروسيا ستساند إسرائيل في هذا الأمر، فروسيا هي بين الدول الأولى التي اعترفت بدولة إسرائيل وحوالي ثلث الشعب الإسرائيلي هو روسي الأصل وثالث لغة رسمية في إسرائيل هي اللغة الروسية ونحن أمام حرب تقاسم القوى للنفوذ في المنطقة على حساب شعوبها".
وشدد زين الدين على أن "ما يحصل في سوريا هو ليس وليد الساعة إنما كان مخططا له قبل شهرين، وسقوط حلب يعني سقوط سوريا بأكملها حيث تعتبر حلب العاصمة الاقتصادية والصناعية والسياسية للبلاد كما تعتبر ثاني أكبر محافظة من حيث المساحة وتتمتع بأهمية استراتيجية بالغة الأهمية".
وفي شرح مفصل للأحداث في سوريا أوضح أن "الحرب حرب استنزاف وجودي وسيؤدي ذلك لاندلاع ساحتي اليمن والعراق لتشتيت وحدة الساحات، والأميركي هم من ساعد المعارضين العراقيين لنظام صدام حسين، واليوم السيطرة الأميركية سياسيًا واستخباراتيًا وعسكريًا كبيرة في العراق".
وربط ما قاله عن العراق بسوريا معتبرًا أن "التحرك اليوم ضد النظام السوري واستقدام عراقيين ليس وليد الساعة بل مخطط لاقتحام وإشغال العراق بحرب داخلية، والسيطرة السريعة للمعارضة السورية ليست إلا لبداية الحرب الداخلية السورية بين مختلف الجماعات الدينية".
أما في اللاذقية ومحيطها حيث نجد تواجدا روسيا، فأشار إلى أنه "لن يحصل شيء، أما باقي المناطق مفتوحة بالصراع مما سيتيح لتركيا التوسع وفرض مفاوضات على سوريا أو الاستمرار بالقتال".
ورسم زين الدين سيناريوهين محتملين: "ممكن أن تكون إما بالسيطرة التركية عبر الفصائل المعارضة وإما بإقحام المعارضة للتخلص منها ومن النظام سويا، وبالتالي يكون للأكراد حكمًا ذاتيًا، فكل الاحتمالات مفتوحة".
من جهة لبنان ومدى تأثره بالتطورات الأمنية في سوريا، لفت إلى أن "انعكاسات الحرب اقتصادياً واجتماعيًا تتوسع على المستوى السوري وخاصة في ظل انهيار الخاصرة الاقتصادية اللبنانية التي كانت تدعم اقتصاد سوريا، والمعركة هذه ستؤدي لإشعال جبهات جديدة"، خاتمًا: "هي لعبة الأمم والكبار بوسائل وأراضي دول أخرى ولكن ما يحصل، هو مجرد بداية لتقاسم النفوذ والأراضي والثروات، والهدنة في لبنان هدنة هي فقط لتمرير مرحلة متعثرة جدًا في المنطقة والحرب مع ترامب تختلف عن الحرب مع بايدن".