النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
طاف الصمت على الطرقات وصار ظلام
حلّ الليل على الفلوات فأين ننام
لا مأوى لا مثوى هل نرقد في الساحات
لا بيتٌ لا صوتٌ وسدىً تمضي الساعات
ذقنا الهول وطفنا الليل بدون طعام
إن البرد قَسَا واشتد فأين ننام
هل ننام وشراع الخير حطام؟
هل ننام ودروب الحق ظلام؟
بين الغارة والغارة، تتدفق الألوف التي ضاقت بها الطرقات، كما ضاقت القبور بالشهداء.
ها هي مغناة راجعون التي غنتها فيروز من كلمات وألحان الأخوين، للشعب الفلسطيني، منذ عشرات السنين، تستعاد نشيداً ومأساة هائلة الآثار على الشعب اللبناني كله، يستوي في ذلك الضيوف والمضيفون.
هل تعير اسرائيل اهتماماً لسجالات المفوهين المذخرين بالحجج والحُجج المضادة والاتهامات السخيفة المتبادلة، أم تجدها فرصة لمزيد من القنابل والتدمير والتجريف، حتى يزدحم ما تبقى من لبنان بمن رحل عن بلداته وقراه المحترقة، فيختلط حابل هؤلاء بنابل أولئك، فتتفرج على الفتنة المبتغاة من منصات طائراتها وجاسوسية عيونها، وتطمئن قلباً أن دول الطوق الطيبة الذكر، لدى كل واحدة ما يشغلها عنها، ففي العراق تنهب الثروات وتتفسخ المكونات، وفي سوريا رضوخ لما آلت إليه برقابة جوية اسرائيلية متمادية، ومصر يتلوى اقتصادها تحت وطأة التضخم، ويكبلها كامب ديفيد، والأردن يعاني شح المياه وخشية الترحيل، أما لبنان فتتغير الخريطة فيه في ظل انعدام التبصر والارادة، ولوثة العناد والتنابذ، وخطر امحاء حاضرات تاريخية كصور والنبطية وبعلبك.
إن الخطر يتفاقم ثانية فثانية، وقنبلة فقنبلة ومتراً فمتراً، فلا نخدعنَّ أنفسنا بصمود بعض أبطالنا، فيما التداخل العشوائي يُمزِّق النسيج اللبناني، ويذرِّي ما تبقى من اقتصاد ومعالم دولة.
إلى الذين يتمسكون بانه لا انتخاب لرئيس الجمهورية قبل وقف اطلاق النار أقول، هل أن نتنياهو الذي بيده وقف اطلاق النار، قلق جداً لعدم انتخاب الرئيس، وأن الامتناع عن الذهاب لجلسة الانتخاب يمكن أن يشكل ضغطاً عليه ليوقف جرائمه بحق الشعب اللبناني؟
فلنخرج من الهراء الكلامي، وتعليق فشلنا على أعدائنا، ففي داخلنا يكمن أعداء خطرون وجهلة، يحرضون أنفسنا على أنفسنا، ويعمون بصائرنا فلا نرى الداهم القريب، ونذهب إلى تركيب الفرضيات والاحتمالات تبريراً لأخطائنا وخطايانا.
في مقال مهم، لتوماس فربدمان، نشرته نيويورك تايمز، وأرسل لي ترجمته الصديق العميد الطيار المتقاعد رشيد أفيوني، ثم ناقشني في مضمونه بعد ذلك كخبير عسكري يليق به اللقب، ورد ان الولايات المتحدة لا تمارس دوراً شريفاً مع إيران وإسرائيل على السواء، لأنها تعلم أن إيران كما جاء في النص الفرنسي دولة:
Infiltré exposé et isolé
أي مخترقة ومكشوفة ومعزولة، وان إسرائيل دولة ضيقة ولذلك فإنها تلعب على نقاط ضعف الدولتين وتنظم اشتباكاتهما الصاروخية وتلزمهما معاً بدقة التعلميات والأهداف من غير أن يتخطيا حدود الخطر والانخراط في إراقة الدماء، فلدى أهل فلسطين ولبنان، فائض من ذلك يمكن ان يراق على مذبح مصالح الدولتين ويحقن دماء مواطنيهما.
سمعت من سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في لقاء معه، انه لا يخشى العدوان قدر خشيته من الفتنة التي لا يوئدها إلا الخروج من خنادقنا النفسية والفكرية فهل نقول مع فيروز ومع الأخوين بصوت واحد؟
يا نائمين تحت كلّ شرفهْ
يا ساهرين عند كلّ عطفهْ
هبّوا من الخيام هبّوا من الظلامْ
لنبني حصون السلامْ
في هدأة السكونْ في رهبة الحصونْ
أصحابنا على الطريق الرحب يهتفون
في الأمطار راجعون في الإعصار راجعون
في الشموس في الرياحِ في الحقول في البطاحِ
راجعونَ راجعونَ راجعونْ