الإعلامي منير الحافي
لمتابعة الكاتب:
@mounirhafi
X, Facebook, Instagram
غداً الجمعة، الأول من تشرين الثاني ٢٠٢٤. هذا اليوم يصادف الذكرى الثمانين لولادة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. أتذكر ويتذكر لبنان، هذا الرجل الكبير، لحبه لوطنه لبنان، وشغفه بإعماره وإعادته إلى خارطة الحياة، واستشهاده في سبيل استقلاله واستقراره وعودة بلده إلى قائمة الدول الفاعلة، ليس في الشرق الأوسط فحسب، وإنما في العالم أجمع.
في العام ١٩٤٤ وُلد رفيق الحريري من عائلة متوسطة الحال في صيدا. لكنّ الرجل كان شعلة من المثابرة والطموح. ساعد والديه وعائلته في قطف الليمون والحمضيات ودخل جامعة بيروت العربية رغم الشحّ المادي. بعد ذلك، اشتغل محاسباً في دار الصياد. لكنّ طموحه تخطى لبنان ليذهب إلى المملكة العربية السعودية، التي احتضنته هو ومئات الآلاف من اللبنانيين خلال تلك الفترة وما تلاها، وأعطته أملاً بتطوير نفسه وتحقيق طموحاته الهائلة. هناك اشتغل بجدّ وحبّ للمملكة. وهناك، زرع وحصد. ذكاؤه ومثابرته وجهده، جعلته يؤسس شركة للإنشاءات هي سيكونيست. الشركة فازت في العام ١٩٧٧بعقد بناء فندق في الطائف في تسعة أشهر فقط! وكان المغفور له الملك خالد بن عبد العزيز، يرغب في انشاء هذا الفندق في فترة قياسية لاستضافة مؤتمر القمة الإسلامية. وبعد هذا النجاح الذي حققه رفيق الحريري جرى دمج شركة سيكونيست بشركة أوجيه التي اشتراها وأطلق عليها اسم «سعودي اوجيه» ومُنح الجنسيةَ السعودية سنة ١٩٧٨.
نجاح رفيق الحريري في المملكة لم يمنعه من الاهتمام بموطنه لبنان بل على العكس. في العام ١٩٧٨ أنشأ «المؤسسة الاسلامية للتعليم العالي» في صيدا وكانت نواة ما عرف لاحقاً بمؤسسة الحريري لتعليم الطلاب اللبنانيين في لبنان وخارجه. المؤسسة أنشأها الحريري في العام ١٩٨٣ وتولّت تعليم الطلاب اللبنانيين في الجامعات ووصل عددهم في العام ٢٠٠٤ لحوالى ثلاثين ألف طالب. وفي عام ١٩٨٠ أنشأ المجمّع الثقافي والطبي في كفر فالوس في جنوب لبنان. وقد دمرته لاحقاً ميليشيات جيش لبنان الجنوبي.
وفي عام ١٩٨٠ أيضاً، أسس شركة «اوجيه لبنان» التي تولت فيما بعد اعادة تأهيل بيروت وصيدا وطرابلس. كما اشترى مدارس كانت معرضة للإقفال في بيروت كي يستمر عملها ورسالتها. وأنشأ ثانوية رفيق الحريري في صيدا.
في عام ١٩٨٢، وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وضع الرئيس الشهيد امكاناته بتصرف الدولة اللبنانية وقامت شركته «اوجيه لبنان» بعملية تنظيفات كبرى لإزالة الركام الذي خلفه الاجتياح الإسرائيلي في بيروت وصيدا. وعمدت الى تنظيف العاصمة وتأهيلها مجدداً وبناء ارصفتها واصلاح شبكات الماء والكهرباء والهاتف وإنارة شوارعها. وقامت بعملية تحديث شاملة لمدينة صيدا وتجميلها. كما تولت الشركة نفسها تأهيل مدينة طرابلس، بعد الدمار الذي أصابها سنة ١٩٨٣. وأسهم رفيق الحريري في مؤتمري جنيف ولوزان سنة ١٩٨٤ اللذين جمعا سائر الفرقاء في لبنان، للبحث عن حلول إنقاذية لوقف المعارك والتدهور في البلاد. كما كان له دوره الابرز في مؤتمر الطائف سنة ١٩٨٩الذي أنهى الحرب. وأدى هذا المؤتمر الى انتخاب رئيس للجمهورية هو رينيه معوض الذي اغتيل بعد ايام من انتخابه، لكن المجلس النيابي عاد فالتأم، واختار الياس الهراوي رئيساً للبلاد.
رفيق الحريري أتى منقذاً للبنان في العام ١٩٩٢. حمل معه كل قوته المالية، وعلاقاته العربية والدولية، وأحلامه بإنشاء بلد حضاري، ديموقراطي، عربي، منفتح. حاول مرات كثيرة، ونجح مرات.. وفشل مرات. لكنّ النجاح طغى على العثرات. حكم في رئاسة الحكومة من العام ٩٢ حتى العام ١٩٩٨. أجبر على التخلي عن الحكومة سنتين. ثم عاد رئيساً لمجلس الوزراء في الألفين حتى العام ٢٠٠٤. اغتيل في اليوم المشؤوم ١٤ شباط ٢٠٠٥. مات «شاباً» عن عمر ستين عاماً. لو كان حياً اليوم لكان عمره ثمانين. لكن رفيق الحريري ما زال حياً في أعماله الظاهرة للعيان في كل منشأة، وفي كل شخص عرفه، وفي كل طالب علّمه. رفيق الحريري، ما زال فعلاً «عايش».