فؤاد بزي - الاخبار
غداة بدء العدوان الصهيوني على لبنان، أقفلت نحو 40 مزرعة بقر كبيرة في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، وإلى جانبها توقف إنتاج الدواجن في 15% من مزارع الدجاج في لبنان الموجودة في محافظتَي لبنان الجنوبي والنبطية. هذا الأمر انعكس على القدرة الإنتاجية للحوم بنوعَيها الأحمر والأبيض، بالتزامن مع تركّز في الطلب في بيروت وجبل لبنان والشمال.
يبلغ المعدّل السنوي لاستهلاك الفرد في لبنان من اللحوم نحو 24.4 كيلوغراماً، وفقاً لموقع «ستاتيستا» الإحصائي. تعود هذه الأرقام لعام 2024 وتشمل اللحوم الحمراء والبيضاء. لكن العدوان الإسرائيلي، وما أدّى إليه من نزوح أكثر من 1.2 مليون فرد من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية إلى مدينة بيروت وجبل لبنان والشمال، أحدث تغييرات في بنية الإنتاج والطلب، إذ أقفلت المزارع في المناطق المستهدفة، وزاد عدد السكان في مناطق الاستضافة. هذه البنية كانت قائمة على مسارَين مختلفين؛ فلبنان ليس لديه برامج زراعية لتربية المواشي، بل يستورد البقر بهدف تسمينه ثم ذبحه وبيعه، بينما لدينا مزارع لإنتاج ما يكفي من الدجاج اللازم للاستهلاك المحلي. ففي 2023 استوردنا 153 ألف رأس بقر مخصّصة لإنتاج اللحم بقيمة 361 مليون دولار، وفق أرقام الجمارك اللبنانية، بينما يملك المزارعون اللبنانيون نحو 2000 مزرعة لتربية الدواجن تكفي لتلبية كامل الطلب المحلي.
ما حصل بعد العدوان، أنه «في مقابل زيادة الطلب على اللحوم الحمراء، تراجع استيراد الأبقار بنسبة 70% خلال شهري أيلول وتشرين الأول»، يقول أمين سر نقابة اتحاد القصابين وتجار المواشي ماجد عيد،. لكن، جاء الأمر معكوساً بالنسبة إلى سوق الدجاج، إذ انخفض الطلب عليه في مقابل زيادة في الكمية المنتجة والمعروضة في السوق، كما يقول رئيس النقابة اللبنانية للدواجن وليم بطرس.
وبالنسبة إلى الابقار، فإن الاستيراد هو المشكلة. فالأبقار المخصصة لإنتاج اللحم تأتي من ثلاثة مصادر أساسية؛ دول الاتحاد الأوروبي، أوكرانيا، والبرازيل، عبر الشحن البحري. وعندما تصل الشحنة يتم تفريغها ونقلها إلى المزارع حيث يجري علفها وتحضيرها لعملية الذبح والتوزيع. لكن هذا المسار تعرّض لضربة قويّة بعد العدوان، إذ إن عدداً كبيراً من المزارع موجودة في مناطق مستهدفة من العدو الصهيوني. وقد أحصي إقفال أكثر من 40 مزرعة لتربية الأبقار. ففي منطقة الجنوب، أقفلت 15 مزرعة مصنفة بـ«الكبيرة» أبوابها، وفقاً لعيد. وتحتوي «المزرعة الكبيرة»، بحسب تصنيف عيد، على أكثر من 50 رأس ماشية معدّة للذبح. وفي الشويفات، أي الضاحية، 12 مزرعة مع مسالخها، أقفل منها 10. أما في البقاع، فلا يوجد أرقام لعدد المزارع المقفلة. يضاف إلى ذلك أن عمال هذه المزارع، وغالبيتهم سوريون، غاردوا لبنان إلى بلادهم، ما أدّى إلى توقف العمل في المزارع.
إزاء ذلك، عمد عدد من أصحاب المزارع التي أقفلت إلى «بيع الأبقار لمزارع أخرى في المناطق المصنفة آمنة»، بحسب عيد. وبعد إقفال مسالخ الجنوب والضاحية «تتركز عملية ذبح الأبقار للحصول على لحومها في منطقة الفنار». ويضيف عيد، «لم تنفع كل المناشدات لوزارة الداخلية وبلدية بيروت لإعادة افتتاح مسلخ المدينة لتخفيف الضغط والزحمة في منطقة الفنار».
وفي ما يتعلق بمخزون لبنان من الأبقار. ففي حال وقوع لبنان تحت الحصار، يقول عيد إنّه «يكفي لمدّة شهر في حال بقاء الطلب المرتفع على حاله». أما في حالة الترشيد في الاستهلاك، فـ«تصل المدّة إلى 3 أشهر». ولكن، لماذا لا يرفع مستوردو الماشية من مخزونهم من الأبقار؟ يجيب عيد، «هناك 6 آلاف رأس بقر قادمة إلى لبنان من البرازيل الأسبوع المقبل»، وستتبع هذه الشحنة «1500 رأس أخرى قادمة من أوروبا، سيتم إنزالها في البقاع في زحلة، والفنار». لكن، «الكميات المستوردة طُلبت قبل وقوع الحرب» يلفت عيد. أما الآن، «يحجم المستوردون عن طلب أعداد إضافية من الماشية خوفاً من عدم تصريفها، أو إقفال المرفأ قبل وصول السفن». ويأتي هذا التخوف بسبب «عدم قدرة تسليم البقر المستورد لدولة ثانية نظراً إلى اختلاف البروتوكولات والفحوصات الصحية للماشية من دولة إلى أخرى». وبالتالي «يحتمل أن يضطر المستورد إلى رمي الماشية في البحر في حال عدم القدرة على إيصالها إلى لبنان»، فضلاً عن الخوف من إقفال المرفأ، أو عدم القدرة على التصريف. ويمتلك معظم تجار المواشي في لبنان سفناً خاصة بهم. وفي انتظار جلاء الأمور في لبنان، وبسبب ارتفاع الطلب على البواخر عالمياً، يمكن لهؤلاء التجار تأجير سفنهم وتحقيق أرباح إضافية.
في المقابل، يشهد قطاع الدواجن فائضاً في الإنتاج مقابل ضعف في الاستهلاك، بحسب بطرس. فبسبب توقف المطاعم والفنادق عن الطلب نظراً إلى انعدام الحركة السياحية، وانخفاض عدد السكان بعد موجات النزوح والهجرة، انخفض الطلب على لحوم الدجاج كثيراً. وأدى هذا الانخفاض إلى «بيع الدجاج بسعر أقل من سعر الكلفة» يقول بطرس. مثلاً «تسلم المزارع نقاط البيع بالتجزئة كيلو الفخاذ أو الجوانح بدولار واحد، وهذا أرخص من كيلو الفاصوليا»، يضيف بطرس، علماً بأنّ «غذاء الدجاج هو الفاصوليا». أما في محال بيع الدجاج، فلم يظهر الانخفاض في أسعار الدجاج، إذ يبدأ سعر كيلو الفخاذ بدولارين، أي ضعف سعر التسليم، ويباع الفروج النيّئ غير المقطّع بسعر 3 دولارات للكيلو الواحد، رغم أن معدل سعر تسليمه يبلغ 1.2 دولار، فيما تباع الجوانج بـ 1.2 دولار، أي بربح نسبته 20%.
يعيد بطرس أسباب ارتفاع الإنتاج مقابل انخفاض الطلب، إلى عدم وضع الحرب ضمن حسابات المزارعين، إذ «تمت برمجة تربية أفواج الدجاج على أساس سوق استهلاكية مقدرة بنحو 6.2 ملايين مقيم في لبنان، فضلاً عن انتظار المزارعين لمواسم الأعياد التي يزيد الطلب فيها على المطاعم»، وفق بطرس. إلا أنّ الحرب ضربت كلّ هذه الحسابات، وأدّت إلى بيع الدجاج بسعر يقلّ 50% عن الكلفة. وتوقع استمرار هذه الحالة حتى عيد الميلاد.
الأغنام متوافرة
«طريق استيراد الأغنام مفتوحة بشكل دائم»، يقول أمين سر نقابة اتحاد القصابين وتجار المواشي ماجد عيد. هذه الحيوانات تربى في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، ومن هناك تدخل إلى السوق اللبنانية، ولا تستورد عبر البحر من دول بعيدة، مثل حالة الأبقار. ولكن، لا يوجد إقبال كبير على لحوم الأغنام لارتفاع سعرها، إذ يناهز سعر كيلوغرام لحم الغنم 20 دولاراً. في حين «يتراوح سعر كيلوغرام لحم البقر البرازيلي بين 10 دولارات و12 دولاراً، ويصل سعر كيلوغرام لحم البقر الأوروبي إلى 14 دولاراً» على ما يقول عيد، الذي يلفت إلى وجود فوارق في أسعار الأبقار الأوروبية. فالبقر الأوكراني هو الأرخص، فيما يزيد سعر البقرة كلما توجهنا نحو دول أوروبا الغربية، مثل إسبانيا وألمانيا.
نمط استهلاك سكان القرى مختلف: الدهن مرغوب
تواجه الملاحم في المدن مشكلة في تصريف لحوم الإناث من الأبقار، بحسب أمين سر نقابة اتحاد القصابين وتجار المواشي ماجد عيد. قبل الحرب، كان هذا النوع من اللحوم مرغوباً بشكل أكبر لدى سكان القرى، لاحتوائه على كمية أكبر من الدهون. فيما يفضل سكان المدن، مثل بيروت، أكل لحم العجول، أي الذكور الصغيرة، لأنها أقلّ دهناً وفيها لحمة حمراء أكثر. ويلفت عيد إلى أنّ «القصابين لا مصلحة لهم في ذبح الإناث في المدن، لأنّها سيضطرون إلى التخفيف من الدهون في اللحم عبر قطعها، ما يؤدي إلى خفض أرباحهم».