الاخبار
بين ما يجري على أرض المعركة من مواجهات بين المقاومة وقوات الاحتلال، وما يجري داخلياً من مساعٍ سياسية، ثمة خيط سميك جداً. لكنّ هناك جهداً من جانب العدو، بدعم أميركي، لجعله غير قائم في سياق السعي إلى تحقيق مكاسب سياسية سريعة، وعلى وجهتين: واحدة تتعلق بالمفاوضات حول القرار 1701، وثانية على صعيد إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في لبنان.
في الزيارة الأخيرة للموفد الأميركي عاموس هوكشتين، خرج كثيرون يتحدثون عن أنه لم يحمل جديداً. ومن اطّلعوا على «الأوراق الرسمية» للمحادثات، قالوا إن الرجل لم يقدّم مقترحاً، لكنه حاول معرفة طبيعة الوضع الذي يحكم عمل المفاوض اللبناني. وبحسب هؤلاء، فإن هوكشتين يفترض أن يحمل في الزيارة الثانية المتوقّعة، بصورة رسمية، التصور أو المطالب الإسرائيلية، علماً أن ورقة هذه المطالب التي تسلّمها البيت الأبيض من رون ديرمر، مساعد بنيامين نتنياهو، ونشرتها «الأخبار» غداة الزيارة، كانت بالفعل في جيب هوكشتين.
الورقة الإسرائيلية التي روّج لها الجانب الأميركي تستند إلى معطيات ميدانية، تفيد بأن إسرائيل حقّقت انتصاراً ساحقاً على حزب الله، وأن لبنان ليس في موقع من يضع الشروط، بل عليه الانصياع، كما أن أساس النقاش، بالنسبة إلى العدو، هو أن التفاوض إن بدأ، فسيكون ويستمر تحت النار إلى حين رضوخ لبنان.
المشكلة في هذه المقاربة ليست في أن الأميركيين يريدون تمرير المطالب الإسرائيلية فقط، بل في أنهم لا يريدون لأي طرف آخر التدخل، وخصوصاً الجانب الفرنسي الذي حاول إعداد تصور لمفاوضات حول لبنان، ناقشه الرئيس إيمانويل ماكرون مع الرئيس نجيب ميقاتي وأرسله إلى الرئيس نبيه بري، قبل أن ينصح ميقاتي الفرنسيين بالتوجه إلى الإيرانيين، كونهم يملكون تأثيراً على حزب الله، ولأنه من دون موافقة الحزب لن تكون هناك إمكانية لأي تفاوض جدّي. وبالفعل، أرسل ماكرون التصور إلى الجانب الإيراني الذي أبدى انفتاحه على المساعدة، لكنّ طهران فاجأت باريس بدعوة الفرنسيين إلى بحث الأمر مع الرئيس بري وحزب الله. وهذه الحقيقة هي خلاف كل ما أثير من ضجة يوم ردّ الرئيس ميقاتي على تصريحات رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، علماً أن الفرنسيين غالباً ما يبادرون إلى خطوات، لكنهم يعودون إلى نقطة الصفر، بسبب رفض إسرائيل لأي دور لهم، ولأن الإدارة الأميركية الحالية لا ترحّب بأي دور فرنسي بعيداً عن الأجندة الأميركية في لبنان. وقد عبّر الأميركيون عن انزعاجهم بخفض مستوى تمثيلهم في مؤتمر باريس، كما حرص وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على لقاء ميقاتي في لندن وليس في باريس، فيما كرّر هوكشتين على مسامع «أصدقائه» اللبنانيين أن فرنسا ليست صاحبة كلمة في الملف اللبناني، وأن الأمر بالنسبة إلى الأميركيين لا يتعلق فقط بالحرب مع إسرائيل، بل بملف الانتخابات الرئاسية أيضاً.
عملياً، يُعتقد على نطاق واسع بأن تل أبيب ستعيد صياغة تصورها على ضوء التطورات الميدانية. والكلام الذي بدأ يتسرب في إعلام العدو عن رأي الجيش في مآلات العملية العسكرية البرية في لبنان، لا يعكس بالضرورة وجهة المستوى السياسي في الكيان نحو وقف الحرب، بل يعكس المشكلات الكبيرة التي تواجه الجيش في تحقيق إنجازات ميدانية من النوع الذي يكسر المقاومة في البر، ويعطّل قدرتها على قصف المستوطنات، وهو الذي يتحكّم بمسار الأمور.
المقاومة، من جهتها، لا تبدو في وضع المراهن على أي تغيير سريع في موقف العدو، وهي لذلك، قررت رفع سقف المواجهة والانتقال إلى مرحلة جديدة من الضغط على الجمهور في الكيان، وعبّرت عن ذلك برفع وتيرة القصف على المواقع العسكرية القريبة من المستوطنات، قبل أن تدعو أمس، في خطوة هي الأولى من نوعها، سكان 25 مستوطنة في عمق يصل إلى حدود 20 كيلومتراً إلى إخلائها لأنها باتت قواعد لجيش الاحتلال وصارت هدفاً مشروعاً لصواريخ المقاومة، وهو الأمر الذي يُنتظر أن يُترجم شكلاً جديداً من القصف على قلب هذه المستوطنات، بعدما كانت المقاومة تتفادى الاقتراب من مراكز التجمعات السكنية.
جولة هوكشين الجديدة
مصدر سياسي بارز قال إن هوكشتين، كان قد أبلغ الرئيس بري في زيارته الأخيرة أن إدارته «تضغط جدياً على بنيامين نتنياهو لوقف الحرب لأنها لا تريد التصعيد»، وقال إن عودته إلى بيروت «ستكون خلال أيام وليس خلال أشهر كما كانَ يحصل سابقاً»، وأن التقديرات أن «أميركا تريد فرض الهدنة قبل أيام من انتخاباتها».
وتشير المعلومات الرسمية إلى أن وزارة الخارجية اللبنانية لم تتبلغ حتى الآن بأي موعد قريب للزيارة، لكن ما كان قد أشاعه هوكشتين في بيروت هو أن «زيارته إلى تل أبيب ستتبعها زيارة إلى بيروت في حال لمس من المسؤولين الإسرائيليين تجاوباً». وهنا يُفتح باب التكهنات: مع أي طرح سيتجاوب العدو الإسرائيلي؟ فموقف لبنان الرسمي معروف لجهة التمسك بوقف إطلاق النار وتطبيق القرار ١٧٠١ من دون زيادة أو نقصان وهو ما لا يريده الإسرائيلي. في هذا السياق، تقول أوساط سياسية إن «زيارة هوكشتين إلى بيروت وتواصله مع الإسرائيليين، وانتقاله إلى باريس حيث بحث مع المسؤولين هناك سبل وقف إطلاق النار في لبنان ومسار الحلّ السياسي والرئاسي، والحركة المكثّفة التي يقوم بها بلينكن من إسرائيل إلى السعودية وقطر وصولاً إلى اجتماعه بالرئيس ميقاتي في لندن ليست شكلية وإنما تؤشر إلى شيء ما». وأشارت إلى أن «آلية تنفيذ القرار ١٧٠١ يمكن أن تكون تدريجية وهو أمر يمكن أن ترتّبه واشنطن إذا كانت جادة فعلاً في ما تقوله عن وقف إطلاق النار»، لكن يبدو أن رئيس حكومة العدو لديه رأي آخر، فهو خرج قائلاً بوضوح: «واهم من يعتقد أننا سنوقف إطلاق النار». وقد وضع هدفاً كبيراً لعنوان معركته وهو تحرير لبنان من إيران وحزب الله، ردّاً على الدعوات لوقف إطلاق النار. وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية إن «نتنياهو سيتشدد كثيراً في ما يتعلق بآلية تنفيذ القرار، وهناك تقديرات بأن تتعدى الشروط الإسرائيلية التفاصيل المتعلقة بعمل اليونيفل وانتشار الجيش اللبناني إلى القيود التي ستُفرض حتى على إعادة الإعمار في الجنوب تحديداً في القرى الحدودية وتحديد الجهات التي بإمكانها أن تتولى هذه العملية خوفاً من تكرار ما حصل بعد عام ٢٠٠٦ وإمكانية بقاء احتمال تكرار عملية ٧ أكتوبر قائمة من الجنوب، وهذا ما يجعل خيار وقف إطلاق النار معقّداً جداً».
من الواضح بالنسبة إلى المصادر أن نتنياهو يصرّ على مواصلة الحرب، والاستفادة من الأيام الفاصلة عن الانتخابات الأميركية. وبمعزل عن نتائج الانتخابات فإن لبنان سيكون على موعد مع تصعيد إسرائيلي كبير لتنفيد أكبر قدر من الأذى. لأن نتنياهو يعلم أن بقاء الإدارة الحالية سيدفعها إلى ممارسة الضغط عليه لوقف الحرب لأنها تريد الدخول إلى البيت الأبيض في كانون الثاني مع ورقة إنجاز في المنطقة، وبالتالي سيكون مضطراً إلى مجاراتها وتصحيح العلاقات التي توترت في مكان ما مع الأميركيين وإعادة ترتيبها مع الإدارة الحالية. أما في حال وصول دونالد ترامب، فتعود المصادر إلى ما نُقل عن الأخير بأنه طلب من نتنياهو تنفيذ كل ما يريد قبل أن يصل هو إلى البيت الأبيض. وفي الحالتين يعتبر رئيس حكومة العدو أن أمامه حوالي شهرين ونصف شهر لكي ينفذ كل مخططاته، وسط مخاوف من استخدام هذه الفترة لتنفيذ ضربات أقوى وأقسى في لبنان.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا