الإعلامي منير الحافي
لمتابعة الكاتب:
@mounirhafi
X, Facebook, Instagram
غيّب الموت رجلاً كبيراً من لبنان، هو الرئيس الدكتور سليم الحص، الذي شغل منصب رئيس مجلس الوزراء لفترات مهمة وشاقة من الزمن، لأربع مرات متفاوتة. كما كان وزيراً في حكومات عديدة، وأكاديمياً واقتصادياً مرموقاً.
أحببتُ في هذه الحلقة من «رأي منير» أن أسترجع بعضاً من تاريخ الرئيس الحص، على عادتي في تذكر رجالات الوطن، وأعتقد أن المستمع الكريم يوافقني الرأي.
ولد سليم أحمد الحص في ٢٠ كانون الأول عام ١٩٢٩ وتوفي في ٢٥ آب ٢٠٢٤. أي أنه عمّر وعاش حوالى ٩٥ عاماً. خلال هذه الفترة الطويلة، كان الرئيس الحص مثالاً للشخصية البيروتية العصامية التي ترقّت في المناصب بسبب اجتهادها ونشاطها العلمي. تلقى تعليمه المدرسي في مدرسة المقاصد- الحرج، والجامعي في الجامعة الأميركية حيث درس إدارة الأعمال ونال شهادة بكالوريوس سنة ١٩٥٢. ثم استحصل على شهادة الماجستير من الجامعة عينها سنة ١٩٥٧. عيّن أستاذاً مساعداً لتدريس مادة العلوم التجارية في الجامعة الأميركية. ويذكر مقربون أن أول راتب قبضه، اشترى فيه لأمه غسالةً، إكراماً لها ولعملها المتفاني في تربيته.
بمساعدة من أستاذه سعيد حمادة، نال قرضاً من مؤسسة روكفلر لإتمام الدكتوراه في العلوم التجارية، في ولاية إنديانا في الولايات المتحدة، فتخرج منها عام ١٩٦١.
بدأ حياته المهنية محاسباً في شركة التابلين ١٩٥٢- ١٩٥٤ ثم انتقل إلى غرفة التجارة سنة ١٩٥٥، فأستاذاً محاضراً في كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية بين العامين ١٩٥٥ و١٩٦٩. كما شغل وظيفة خبير مالي للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية (١٩٦٤- ١٩٦٦). أهم إنجازاته المصرفية أنه هو من أسس لجنة الرقابة على المصارف في لبنان عام ١٩٦٧ وبقي رئيساً لها حتى العام ١٩٧٣. كما شغل منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير العام للمصرف الوطني للإنماء الصناعي، ورئيس مجلس إدارة المصرف العربي والدولي للاستثمار في باريس، وغير ذلك من المناصب.
عرف بأنه شهابي الهوى. لذلك كان قريباً أيضاً من الشهابي الآخر، رئيس الجمهورية إلياس سركيس. عيّنه سركيس مستشاراً له سنة ١٩٧٦. فأعدّ ملفاً عرف ب«ملف الحص» تضمن تقريراً بالأضرار والخسائر التي أصيب بها لبنان من جرّاء حرب السنتين. وسرعان ما احتاج إليه سركيس قربه، ليكون رئيساً للوزراء، إضافة إلى كونه وزيراً للاقتصاد والتجارة، ووزيراً للصناعة والنفط، ووزيراً للإعلام، في كانون الأول سنة ١٩٧٦. وتولى رئاسة الوزارة مرة أخرى في تموز العام ١٩٧٩.
عاد الحص وزيراً، في نيسان العام ١٩٨٤ في حكومة الرئيس الشهيد رشيد كرامي. وهذه المرة وزيراً للعمل والتربية الوطنية والفنون الجميلة. تعرّض في أيلول من العام نفسه، لمحاولة اغتيال، فأصيب برضوض طفيفة، في حين قتل أربعة أشخاص.
وعلى أثر اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي في الأول من حزيران سنة ١٩٨٧ تولى وزير التربية سليم الحص مهام رئاسة الحكومة. واستمر حتى ما بعد تكليف العماد ميشال عون رئاستها، في إطار ما عرف آنذاك بعهد «الحكومتين». عيّنه الرئيس أميل لحود رئيساً لمجلس الوزراء، ووزيراً للخارجية، ووزيراً للمغتربين، في كانون الأول عام ١٩٩٨.
انتخب نائباً عن بيروت في دورة سنة ١٩٩٢ وفي دورة سنة ١٩٩٦. شارك في انتخابات سنة ألفين ولم يوفق في النجاح، فانكفأ عن ممارسة العمل السياسي.
عُرف الرئيس المرحوم سليم الحص بعصاميته، وإنسانيته حتى أنه امتنع عن توقيع مراسيم الإعدام. الرئيس الحص كان كاتباً سياسياً واقتصادياً محترفاً، له إصدارات عدة بالعربية والإنكليزية وعدد كبير من المقالات والأبحاث. يبقى أن الرئيس الحص، هو من عائلة بيروتية أصيلة، يعتبرها آل العيتاني فرعاً منها. الرئيس الحص مثال إضافي عن الشخصية الأكاديمية العصامية، التي يمكن لها بالإصرار والعمل الدؤوب، أن تتبوأ أعلى المناصب في الدولة والمجتمع.