وا عرباه

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس

 

متدثراً بدمي، أسير

تقودني حمم، ويهديني ركامُ،

بشر تموج حشودهم

طوفان ألسنة: لكل عبارة

ملك، وكل فم قبيلهْ...

وأنا الذي نبذته كل قبيلة.

وخرجت تحضنني الجراح، وأحضن الأرض القتيله،

أبني خيامي في دمي

وأقول لاسمي أن يلمّ دفاتري

من بيت اسماعيل/

(إسماعيل يطفو

صحراء من كتب تموت، وفوقه

قمر تقلد سيفه

ومضى يجر نياقه)

/وأنا الذي نبذته كل قبيلة

متدثّراً بدمي أسير تقودني

حمم ويهديني حطامُ

حفل تخص به الإبادة نسلها

حفل لإسماعيل يختتم الزمان تراه يفتتح الزمان؟

 حشدٌ يوزّع ورده

فرحا بمقصلة تقامُ

الأطلس العربي جلدُ نعامةٍ غلبت نعامهْ

لا غالب إلاه

سرجُ حصانه

ذهبٌ وجبهته غمامةْ

 

أدونيس * من قصيدة "إسماعيل"

إنه أدونيس الذي تحدث عن إسماعيل منذ حوالي نصف قرن، يختم قصيدته بقوله: من أنت إسماعيل، وقد ذكر في الكتاب، أنه كان صادق الوعد، رضي التضحية بنفسه، إيماناً منه بأن الله اختاره قرباناً؛ بقي إسماعيل على مر الدهور والآلام، ضحية تتناسل مأساتها، وتتوالد دماؤها التي ما زالت لون التاريخ المفضل.

التحق اسماعيل هنية بعائلته التي رثاها بلا دموع، مكتفياً بالقول: خلقنا في فلسطين ونموت من أجلها. استشهد الرجل غبَّ تقديم واجب التهنئة للرئيس الإيراني الجديد، فانتصب مجلس العزاء في الوجدان الإنساني، كما لحقه بعد ساعات الصحافي الشجاع إسماعيل الغول الذي فقد عائلته قبل ذلك بشهور.

من أنت إسماعيل، من أنت أيها الفلسطيني الذي يمشي وقد تأكد أن مصرعه أمامه؟

من أنت يا أعند شعب في التاريخ، يا من يسير متدثراً بدمه بعد أن نبذته كل قبيلة، يا من تقوده الحمم ويهديه الحطام.

كم حزن هذه الساعة أوجع  من الموت، فالموت خلود إلى القبور إن نجت من الإبادة، والحزن رفيقها سواء ضمت الأشلاء أو لفظتها موائد للطيور الجارحة التي تنقض عليها بين الغارة والغارة.

لا وقت لتشييع الحاج محسن، ولا هو لديه الوقت لهذا، إذ ربما يراقب رفيقاً خارجاً من الظل ليحل مكانه على ما جاء في أغنية المقاومة الفرنسية الشهيرة.

لا وقت لتشييع الإسماعيليين والحسينيين وأتباع المسيح، والفلسطينيين ومظلومي الحضارة، حتى لا تزداد أعدادهم بالإجرام الذكي ينزل كالشبح الذي يخمد الأعمار دون أن يرى، كأنه هو الذي قصده المتنبي:

وما الموت إلا سارق  دق شخصه

يصول بلا كف ويسعى بلا رجل

لا ينتمي تفكيري إلى الممانعة ومنظومة المحاور،  ولكن هذا يحفزني على الإعلان أن كل روح أزهقت تنتمي إلي، وأنتمي إليها.

قبيل اجتياج العراق، عقد مؤتمر للمحامين العرب في القاهرة، وقف فيه نقيب المحامين في بيروت الراحل ريمون شديد وأطلق صرخته التي ارتجت لها القاعة..

"وا.. عرباه.."

السودان ينزف ويسير نحو تقسيم جديد، ولا أحد يدري لهذا سبباً، والموارد الليبية منهبة السَّرقة والميليشيات، والأرض التي وحدها الملك إدريس السنوسي رحمه الله، صارت مشاعاً قيد الفرز، وأرض السواد، بلاد الرافدين، العراق، ملتقى النهرين يشهد بؤس أهلها وفقرهم، على ثرواتهم السائبة.

وسوريا أخرجت من الفعل وأجلست على قارعة المتفرجين وهي ترى الدولة مستباحة للجنسيات المتعددة.

أما مصر، فتتحدث عن نفسها، وتقول:

أنا إن قدر الاله مماتي

لا ترى الشرق  يرفع الرأس بعدي

وها هي الآن تحاصر بالإهمال المتعمد إذ تجفف قناتها من السفن وشريانها من ماء النيل، ويشاح عنها في معاناتها  وهي تسعى لتأمين الطحين للأرغفة.

أما  لبنان.. فلا أتحدث عنه لأنه يتحدث عن نفسه أيضاً..

يبقى أن أقول.. إذا لم تتحد الارادات الفلسطينية، وينتقل اتفاق بكين إلى التنفيذ الفوري، فلا مجال لصد عمليات اصطياد قياداتهم المتمادية منذ فردان، حتى إسماعيل لأن فجوتهم الأمنية الكبرى تتمثل في انقسامهم.

رحم الله النقيب ريمون شديد.... وا عرباه....

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني