بين المعركة والمباريات
بين المعركة والمباريات

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Sunday, August 11, 2024 9:14:00 PM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس

أفشل نتنياهو كل تسوية فغضب منه "بايدن". لكن الكونغرس صفّق له على إجرامه عشرات المرات، فعاد مزدهيًا وارتكب جريمتي اغتيال الشهيدين فؤاد شكر واسماعيل هنية، رغبةً في أن تؤدي فِعلتاه إلى اشتباك أميركي إيراني مباشر يعمل له منذ زمن، ويأمل به في حال فوز ترامب. لقد قاده غروره إلى مغالطات استراتيجية، لأن الولايات المتحدة الاميركية، التي حشدت أساطيلها واستدعت قياداتها العسكرية العليا، ليست بوارد الدخول في حرب مع إيران، بل هي تلفت نظرها إلى أنها لن تسمح بإلحاق الضرر، لا بإسرائيل، ولا بالخطط الأميركية القائمة على الاستثمار في التناقضات، بغض النظر عن سياسة المحاور والأحلاف.

والشاهدُ حروب الخليج؛ فبعد أن تمكن صدام حسين، بمساعدة أميركية، من فرض تسوية قبلها الإمام الخميني على مضض، تحول الأميركيون بعد ذلك إلى جيش اجتياحٍ أسقط صدام حسين وسلَّم زمام العراق إلى إيران، ذلكم أن الاستثمارات الأميركية ليست وليدة اتفاقيات ومعاهدات، بل هي منهزة فرص، ولعب على التناقضات، ولو كان هذا لحساب مصلحة أعداء افتراضيين ضد حلفاء افتراضيين، كما كانت علاقتها مثلاً مع (القاعدة) بالتأسيس والرعاية ثم بتدميرها وقتل قادتها. ولنتذكّرْ أن الاضطراب الخطير في العلاقات الإيرانية الخليجية كان مدعاة أرباح اقتصادية وسياسية الأميركية، من بيع سلاح باهظ الثمن وغير صالح للحسم، إلى زيادة إنتاج النفط، وفتح سفارات لإسرائيل في أكثر من عاصمة عربية... والحبل على الجرار كما يقال.

من هذا كله أذهب إلى ما هو سائد منذ مدة عن عبارة "قواعد الاشتباك" والاتهامات المتبادلة بخرقها. فالفكرة قائمة على مفهوم المباراة التي يقتضي لها حَكَمٌ نزيه، فَعَّال الصافرة، حازم البطاقات الصفر والحمر، فيما قواعد الاشتباك في الشرق الاوسط مرهونة كليًّا بالحَكَم الأميركي المنخرط في اللعبة، والذي يشجع إسرائيل كلَّ مرة على خرقها، ثقة منه بأنه قادر على امتصاص ردود الفعل. إن اغتيال القائد فؤاد شكر ورئيس حركة حماس اسماعيل هنية على جسامة كل من الفعلين وخطورتهما، يجري الإعداد لاستيعابهما، وذلك بالتصريحات الأميركية الرسمية وبالحشد الأسطولي المتوعِّدِ بأن ضرب إسرائيل يساوي ضرب أميركا. ومع هذا، وإلى أن تنجلي الأمور على ما سوف تنجلي عليه، فإن قواعد الاشتباك، قد تحولت إلى "قواعد ارتباك"، وقع فيها أطراف المباراة والحكم الفاسد معًا.


إن الاستثمارات الأميركية قائمة على مساحة الكرة الأرضية، منها ما تخطط له الإدارة ومنها ما هو متاح بطبيعته، كالحروب الأهلية والتعصب الديني، وإعسار الدول النامية وتوجس دول الحدود المشتركة من الأطماع المتبادلة، ومنها على وجه أخص، ذلك الابتزاز النووي الذي تمارسه أميركا على إيران ودول الخليج معًا، جاعلة من نفسها مرجعًا للفصل بين الأهل والجيران، فيما هي في حقيقتها، تدير تلك اللعبة الجهنمية لكي يصب عائدها في بنك الاحتياط الفدرالي، ومَدِّ إسرائيل بأسباب القوة.


لا أستطيع أن أتكهن سلفاً بما يمكن أن يستجد، ولكن أؤكد على ضرورة تفكيك الاشتباك اللبناني الذي لا يستطيع أحد أن يتجاهله. فبعد صرخة النائب الحاج محمد رعد كيف يدفع الجنوب خيرة شبابه، ويخسر عمرانه وزرعه واستقراره، فيما قسم آخر من اللبنانيين يقيم الأفراح والليالي الملاح غير آبه بما يجري لسائر الأشقاء في الوطن والدولة، تداركه الأستاذ جبران باسيل بالتأويل والتفسير المتعسف، شارحًا أن شهداءنا يسقطون من أجل هدف نبيل، هو إتاحة الفرصة الآمنة للفريق اللبناني الآخر من أجل الرقص والغناء والذهاب إلى المطاعم، وقد خشيت أن يستطرد قائلاً إن هذا جزء من اتفاق مار مخايل.


لم تعد تنفع سياسة "رشّ السكر فوق الموت"، فالأطلس اللبناني جلد نعامة غلبت نعامة، كما قال أدونيس. أما المشهد اللبناني المتباين، بل المتناقض، فهو الإرهاص الخطر بتفكك الدولة، بعدما سقطت الخطابات المفوهة، والحجج المخلقة، فأخذ الاختلاف شكلاً جديداً وقواعد اشتباك جديدة قائمة على مجابهة القوة ببراعة الرقص.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني