الإعلامي منير الحافي
لمتابعة الكاتب:
mounirhafi@
X, Facebook, Instagram
ليلةُ الثلثاء – الأربعاء الثلاثين – الحادي والثلاثين من تموز، ليلةُ موصوفة، ستحفظ طويلاً في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، والإيراني- الإسرائيلي. إسرائيل التي كانت تلهث لاغتيال أي مسؤول كبير في حماس وحزب الله نفذت عمليتين نوعيتين في كل من ضاحية بيروت، وطهران نفسها. إستهدفت في السابعة والنصف مساء المسؤول العسكري الأعلى في حزب الله فؤاد شكر، المطلوبَ رأسُه أميركياً وإسرائيلياً. وبعد أقل من خمس ساعات، إغتالت رئيس المكتب السياسي في حماس إسماعيل هنية ، الموجود في مكان آمن نسبياً، في طهران، على بعد أكثر من ألفي كيلومتر من تل أبيب. اللافت أن إسرائيل اغتالت هنية، وقصفت مقرّ شكر، وقتلت مدنيين أبرياء، رداً على مقتل مجموعة من العرب الدروز في الجولان السوري المحتل في صاروخ إتهمت حزب الله بإطلاقه! أمر بمنتهى الغرابة والصفاقة.
وعلى قاعدة «عصفورين بحجر واحد» ، ضربت إسرائيل في الليلة ذاتها، شخصين من أخطر أعدائها. الحاج محسن، هو الاسم الحركي لأعلى مسؤول عسكري في الحزب. وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية فإنه مستشار السيد حسن نصرالله لتخطيط وتوجيه العمليات في زمن الحرب. وتضيف الصحيفة أنه هو المشرف الفعلي على مواجهة الحزب مع إسرائيل منذ عميلة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.
في هذه العملية، حصل «المحرّم» الذي رفعه الحزب في وجه إسرائيل: إياكم والضاحية. وأبلغ الحزب هذا الأمر للوسطاء من أوروبا وغيرها. وقال لهم: إنه تغاضى يوم اغتيل الشيخ صالح العاروري، المسؤول الحمساوي في الضاحية مساء الثاني من كانون الثاني من هذا العام. لكنّ اغتيال شخصية كبرى، لبنانية، من أسس حزب الله، في الضاحية، لن تمرّ من دون عقاب لإسرائيل. ينتظر مناصرو الحزب، واللبنانيون، والإسرائيليون، ردّ فعل الحزب على هذه الضربة التي تقول إسرائيل إنها أدت بالفعل إلى مقتل القائد شكر، وينفي الحزب أن يكون قد قُتل حتى ساعة تسجيل هذا الرأي.
في طهران، الأمر أغرب كثيراً. كيف وصل الموساد إلى قتل هنية في «عرين الأسد» كما يُقال. هل قتل بمسيرة، أم من فريق ذهب إلى طهران؟ الرجل الأول في حماس يقتل في عاصمة إيران التي تدعم حماس وتحميها. إسرائيل لم تعلن رسمياً عن قتلها هنية ولا طريقة التنفيذ. وهي بالعادة لا تعلن ذلك.
ما عرف عن عملية الاغتيال، أن الرجل الأول في حماس في الخارج قتل وهو نائم في مكان استضافته في طهران. كيف عرف الإسرائيليون أين ينام أولاً؟ كيف حصل الخرق الاستخباري الكبير؟ كيف استطاعت إسرائيل تقنياً تنفيذ العملية دون قتل آخرين؟ كيف استطاعت الطائرة الإسرائيلية الوصول إلى طهران؟ أسئلة كثيرة تُطرح الآن. لكن الإجابات لن تكون قريبة بطبيعة الحال.
لكنّ المراقبين يسجلون ملاحظات مهمة في عملية الاغتيال، منها أن إسرائيل قد تكون انتظرت خروجه من مقر إقامته في قطر التي يزورها بين فترة وأخرى رئيس الموساد وغيره من المسؤولين الأمنيين بهدف التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة. يقال إن هنية إنتقل من قطر إلى تركيا، ومنها إلى إيران حيث قتل. وسيعود هنية إلى الدوحة شهيداً هذه المرة، حيث يدفن في أرضها.
لم يقف إطلاق النار في غزة بل زاد خطر إطالة الحرب، وهي قد تتوسع إلى كل المنطقة سواء في فلسطين ولبنان واليمن وصولاً إلى إيران.
الموقف الأميركي المعلن حتى الآن هو عدم توسيع الحرب، وإجراء اتصالات بالمباشر والواسطة مع كل المعنيين. والسفيرة الأميركية في بيروت أرسلت إلى لبنان الرسمي أن لا مصلحة للبنان بتوسيع الحرب وفعل كذلك عدد من سفراء الدول الأوروبية. لكن رَشَح في المقابل أن الإدارة الأميركية قد وافقت مسبقاً على اغتيال فؤاد شكر لأنه مطلوب من الاستخبارات الأميركية بتهمة قتل أميركيين في لبنان في العام ١٩٨٣.
الإسرائيليون يعلنون على لسان وزير الدفاع أنهم مستعدون لكافة السيناريوهات. الحرس الثوري الإيراني يقول إن جريمة اغتيال هنية ستواجه برد قاس من جبهة المقاومة، وإيران خصوصاً.
لكن هل سترد إيران على إسرائيل مباشرة؟ هل سيرد حلفاؤها في لبنان وسوريا واليمن والعراق على جبهات متعددة؟ هل ستتدخل الولايات المتحدة عبر بوارجها الحربية التي تجوب الشواطئ العربية والإقليمية للدفاع عن إسرائيل كما تكرر دائماً. ماذا سيفعل الرئيس بايدن الذي اعتزل الترشح لمرة ثانية للرئاسة الأميركية. لا شك أن الأشهر التي تمتد من الآن إلى نهاية زمن بايدن، ستكون مرحلة متفلتة من أي ضغط حقيقي أميركي على بنيامين نتنياهو وحكومته.
باختصار، المنطقة كلها على شفير انفجار جديد. والأيام المقبلة قد تكون مليئة بمشاهد دموية جديدة.