الإعلامي منير الحافي
لمتابعة الكاتب:
@mounirhafi
X, Facebook, Instagram
كل كلام العالم، وكل الانتقادات، والنداءات والمناشدات، لإسرائيل، لم تدفعها إلى وقف عملياتها العسكرية في غزة. هل ردة الفعل على عملية حماس في غلاف غزة التي أودت بحياة ألف وخمسمئة إسرائيلي، تستأهل ثمانية أشهر من الإجرام الإسرائيلي والحقد الذي لا حدود له على ما يمكن أن أسميه «الجنس الفلسطيني»! يمكن للمشاهد الموضوعي، من غير العرب ومن غير المناصرين لحق الفلسطيني في بلده، أن يؤكد أن إسرائيل تسعى وراء قتل كلِّ ما هو فلسطيني. والحُجة جاهزة: «لقد قتلوا حفنة من اليهود في ٧ أكتوبر».
قامت إسرائيل منذ ما بعد عملية حماس، بأعمال قتل وتنكيل واستهداف للفلسطينيين بشكل يضاهي عمليات الثأر الطائفية والعنصرية التي حصلت في التاريخ القديم والحديث. شكلُ القتل الإسرائيلي، يشبه المحارق النازية على يد الألمان، وعمليات محاكم التفتيش الإسبانية الملعونة التي طالت للمفارقة، المسلمين واليهود على حد سواء! كما تشابه عمليات إسرائيل، المجازر الطائفية غير المبررة التي سوّدت وجه أوروبا إلى الأبد في سريبرينيتشا وغيرها على يد العصابات الصربية ضد مسلمي البوسنة والهرسك في تموز العام ١٩٩٥.
هل سألنا أنفسنا لماذا تقتل إسرائيل كل الناس؟ مدنيين قبل العسكريين؟ الأطفال قبل النساء والرجال؟ لماذا لا يسلم شجر الزيتون والبرتقال الفلسطيني من الآلة العسكرية الإسرائيلية؟ لماذا قتلُ «كل شيء يتحرك أو لا يتحرك»؟
قد يجيب عن ذلك المفكر والفيلسوف الإيطالي نيكولو مياكافيلي الذي عاش في القرن السادس عشر، وهو صاحب نظرية «الغاية تبرر الوسيلة». هو يعتقد أن صاحب الهدف باستطاعته أن يستخدم الوسيلة التي يريدها أياً كانت وكيفما كانت دون قيود أو شروط. وقد نصح الحاكمَ في كتابه الشهير «الأمير» بأنه إذا أراد أن يحكم فعليه أن يفتك بلا رحمة، وأن لا يقتل منافسه فحسب، بل عليه بعائلته وكل من يمكن أن يأتي من بعده.
بينامين نتنياهو، وكل الإسرائيليين على ما يبدو، هم من مدرسة القضاء على نسل الفلسطينيين أصحاب الأرض، وأصحاب الحقوق. كل من أتى ليحكم في إسرائيل إتّبع هذا النهج. في الماضي، أيام العام ١٩٤٨ وما بعدها لم يكن يوجد وسائل إعلام عالمية تنقل الواقع الفلسطيني. اليوم تغيرت الصورة. صارت وسائل الإعلام موجودة في الأيادي وفي الجيوب. إنها الهواتف النقالة التي تنقل عمليات القصف وعمليات التدمير وعمليات الاغتيال.. تنقل عمليات الإبادة بحق الناس.
بحسب آخر الإحصائيات المنشورة لجهاز الإحصاء الفلسطيني فإن عدد الشهداء في غزة منذ السابع من أكتوبر هو: ٣٧ ألفاً و٨٤ فلسطينياً. أما عدد الأطفال منهم فهو: خمسة عشر ألفاً ومئة واثنان وستون طفلاً. عدد النساء الشهيدات: عشرة آلاف وثماني عشرة امرأة. وبلغ عدد المفقودين من النساء والأطفال: ٤٧٠٠ شخص. وفي الضفة: إرتقى ١٢٤ طفلاً شهيداً.
عدد الجرحى منذ عملية طوفان الأقصى: فاق الأربعة وثمانين ألفَ جريح في غزة، منهم ٦١٦٨ طفلاً، و٦٠٠ طفل في الضفة الغربية.
هذه ليست أرقاماً. هذه نفوس تموت. لكن بالنسبة لإسرائيل كلما مات رجل أو امرأة، فإنها تقضي على عدو مطالب بأرضه والعودة إلى وطنه. وكلما قتلت طفلاً فإنها تكون قد قضت على عائلة مستقبلية.
عليكم بالأطفال قبل الرجال. هكذا يفكّر الطغاة والفاقدون للإنسانية. خلال ثمانية أشهر ونيف لم يستطع مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة ولا أي مجتمع عربي أو إسلامي أو عالمي أن يوقف إسرائيل. حتى الولايات المتحدة، الأم الحنون للكيان الإسرائيلي، لم توقف إسرائيل. هي لا تريد، لا تستطيع، لا تجرؤ؟ لا يهم. المهم أنه يوماً ما ستتوقف الحرب، وسيحصي الفلسطينيون عدد شهدائهم وجرحاهم، وبيوتهم ومحلاتهم وممتلكاتهم وأشجارهم، وسياراتهم. برأيي، مهما كانت الخسائر كبيرة وكبيرة جداً، فإنها لن تزحزح أهل غزة قيد أنملة عن التمسك بأرضهم ووطنهم. ما سيحصل حينها، أن الكره الشديد لإسرائيل سيزيد أضعافاً مضاعفة. أكثر بكثير من عدد الشهداء والجرحى والمفقودين والمشردين والمقهورين والمظلومين من أعمال إسرائيل وداعميها.