الإعلامي منير الحافي
لمتابعة الكاتب:
mounirhafi@
X, Facebook, Instagram
ما بين منظر الفلسطينيين المذبوحين والمحترقين في رفح وكل غزة والضفة الغربية، ومنظر اللبنانيين الذين يفقدون أرواحهم وممتلكاتهم في جنوب لبنان، يحتار المُشاهد علامَ يتفرّج. وكأنّ «صندوق الفرجة» الذي اخترعه جدودنا كي يشاهدوا وينتقلوا إلى عالم افتراضي غيرِ عالمهم، قد تحوّل على أيامنا اليوم، إلى التلفاز وإلى وسائل التواصل الاجتماعي. الفارق بيننا وبينهم، أنهم كانوا يتفرجون على دمى بسيطة سعيدة يحرّكها شخص يحمل الصندوقة ويتنقل بها في بيروت والمدن والقرى. أما اليوم، فإننا وأولادَنا نتفرج على عرض إجرامي إسرائيلي لقتل الأطفال والنساء بدم بارد. ويُصرّ المعتدون على أن إسرائيل هي أرض ميعادهم الذين اخترعوها وبثّوها في نفوس الغرب، المأسور لديهم، إلى أن تتغير المعادلة.
يقول البعض إن المعادلة ذاهبة نحو التعديل. فللمرة الأولى تدان إسرائيل من محاكم دولية، وتُطالب بوقف هجومها على رفح. وتقوم دول أوروبية مثل إسبانيا وإيرلندا والنروج بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهكذا يرتفع رقم المعترفين بحق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة في دولة لها عاصمة هي القدس الشرقية إلى ١٤٦ من أصل ١٩٣ دولة تشكل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
متى يفيق العالم من سباته العميق.. السميك؟! كتبتُ سابقاً في مقالة عند بداية العدوان الدموي على غزة قبل حوالى ٨ أشهر:«ألسنا بشراً؟». وأتساءل اليوم بحرقة مستمرة: أين إنسانيتنا؟ أين أدياننا؟ الإسلام والمسيحية، حتى اليهودية؟ هل يقبل البشر بقتل بشر عزّل؟ هل يُحمّل شعب بكامله نتيجة عملية عسكرية قامت بها «حماس» ضد المحتل الإسرائيلي؟ أوليست المقاومة من حقوق الشعب المحتل؟ ألم تقاتل الولايات المتحدة نفسها، محتلها البريطاني؟ ألم تقاتل بريطانيا عدوها الألماني؟ ألم يقاتل الشعب الفرنسي النازيين المحتلين؟ حق الشعب المحتل محفوظ في القانون الدولي. ورغم ذلك، لا يحق للشعب الفلسطيني المقاومة. أمرٌ في غاية الصَلف، والتمييز، واللاإنسانية.
يجب على العالم أن يستفيق من نوم «الدببة» الآن.. الآن وليس غداً. أول المطالَبين، الولايات المتحدة الأميركية المنادية بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وحقوق الحيوانات. الإنسان أولى من الحيوان، مع احترامي الشديد للحيوانات. أتدرون لماذا؟ لأن الحيوان لا يعتدي على غيره، ولا يهاجمه إلا إذا جاع. السباع لا تهجم على الأبقار إذا كانت شبعانة. الضباع تعرف حجمها في الغابة ولا تقترب من أراضي غيرها. وقس على ذلك، القردة، والأفاعي، والنمور.. حتى الأسماك. كل يعرف عشيرته وأرضه ويحترم غيره. بعض البشر فقدوا إنسانيتهم وفقدوا حسّهم. الكل يتفرج على رفح، وغزة والضفة وجنوب لبنان. البعض يغيّر الموجة. آخرون يطفئون جهاز الإرسال. قليلون هم من يتحمسون لإبداء الأسف أو التعبير قولاً أو كتابة عن رفضهم المجازر بحق المدنيين.
في كتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفّع قصة يرويها العديد من كبارنا. وهي قصة تحتاج إلى التفكّر والتبصّر.
يُروى أن أسداً جائعاً وجد قطيعاً من ثلاثة ثيران قوية ترعى العشب في الغابة، وكانت ألوانُها: أسودَ وأحمر وأبيض، فأراد الهجوم عليهم فصدّوه معاً وطردوه.
غادر الأسد، وفكر بطريقة ليصطاد هذه الثيران القوية، خصوصاً أنها معاً كانت أقوى منه. فقرر الذهاب إلى الثورين الأحمر والأسود وقال لهما: "لا خلاف لديّ معكما، وإنما أنتما صديقاي، وأنا أريد فقط أن آكل الثور الأبيض كي لا أموت جوعاً". سمح الثوران الأحمر والأسود للأسد بأكل الثور الأبيض، فقام الأسد بسرعة وافترس الثور الأبيض وقضى عدة أيام شبعاناً فرحاً بصيده.
بعد أيام، عاد الأسد لجوعه. فعاد إليهما وحاول الهجوم عليهما فصدّاه معاً ومنعاه من اصطياد أحدهما. فعاد إلى منطقته منكسراً.
قرر الأسد استخدام الحيلة القديمة، فنادى الثور الأحمر وقال له: "لماذا هاجمتني وأنا لم أقصدك وإنما أنا أقصد الثور الأسود فقط، فدعني آكل الثور الأسود".
سمح الثور الأحمر للأسد بأكل الثور الأسود، فهجم الثور بسرعة على الثور الأسود وأفترسه. مرّت الأيام، ولما شعر الأسد بالجوع الشديد مرة أخرى، جاء الى الثور الأحمر وقال له الآن سوف آكلك أنت! ولما همّ بالانقضاض عليه، قال الثور الأحمر: «أُكِلتُ يوم أُكِل الثورُ الأبيض».
هل يتّعظ العالم، ويتعلّم أن ظلم الفلسطينيين يمكن أن يصيب أي شعب آخر؟ هل يفهم كل إنسان، أن الظلم لا يتوقف عند حدود، سواء في الشرق الأوسط أم في أوروبا أو أي قارة أخرى. أيها العالم «المتحضّر» والمتقدم. أيها العالمُ الذي تعيش بسلامٍ الآن، أوقف الإبادة الإسرائيلية، في رفح وغزة وكل فلسطين.