الإعلامي منير الحافي
لمتابعة الكاتب:
mounirhafi@
X, Facebook, Instagram
من المبكر معرفة التفاصيل التي حصلت للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ومعه وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وعددٌ من قيادات إيران في الرحلة الأخيرة لهم. سبب سقوط مروحية الرئيس في منطقة قاسية التضاريس، المرجّح حتى الآن، هو سوء الأحوال الجوية. لكنّ لا شك فإن النتيجة هزّت إيران، وشغلت العالم، ولبنان. سارعت إيران لإعلان تولي النائب الأول للرئيس محمد مخبر مقام الرئيس المؤقت، وأن موعد انتخاب الرئيس الجديد هو مبدئياً في ٢٨ حزيران المقبل. أما عبد اللهيان، فقد حلّ محلّه كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي علي باقري، ليكون وزيراً مكلفاً للخارجية.
فاجعة في إيران وأوساط المجموعات التي تناصرها. والتعازي قُدّمت بحسب الأصول إلى القيادة الإيرانية من معظم الدول حتى من الولايات المتحدة.
لبنان أعلن الحداد الرسمي على الفقيد ثلاثة أيام. وشارك الرئيس نبيه بري ووزير الخارجية في جنازة الرئيس الراحل. أما حزب الله وهو نصير لإيران الإسلامية، فقد اهتم بشكل كبير وتابع الحدث لحظة بلحظة. إنشغال لبنان برئيسي لم يقتصر على الحادثة الأليمة ومن سيخلف القيادة التي قُتلت. وإنما بدأت لحظةَ إعلان مقتل الرجلين، الأسئلة عن مدى انعكاسات غياب رئيسي وعبداللهيان على وضعنا السياسي، وبالتحديد على انتخاب رئيس الجمهورية. بمعنى أدق، هل إن مقتل رئيسي الذي كان واحداً من مجموعة أخذ القرار في إيران، سيؤخر تطبيق التفاهمات المبدئية التي صيغت مع الولايات المتحدة الأميركية في سلطنة عُمان؟ وهل مقتل حسين أمير عبد اللهيان، الوزير النشط، الذي كان يتردد كثيراً على لبنان، والذي وصف بأنه «وزير خارجية المحور» سيؤجل أيضاً البحث في انتخاب رئيس لبناني بعد طول غياب؟
برأيي فإن تأثير الحادثة الأليمة على حزب الله والممانعة هو ذو بعدين: عاطفي وسياسي. طبعاً تأثر مناصرو إيران بهذه الفاجعة وبالتالي فإن البحث في انتخاب رئيس لبناني الآن، سيتأخر إلى ما بعد إجراءات الدفن التي حصلت أمس الأربعاء، ثم بعد ذكرى مرور أسبوع، وربما مرور أربعين يوماً. السبب الآخر هو سياسي. ومعنى ذلك، يريد حزب الله أن يرى اتجاه السير في إيران. فشخصية البديل هي مهمة وإن كانت السياسة العامة بإدارة المرشد نفسه. لكن نعرف أن أي شخصية بحجم رئيسي، تكون لها أسرارها وعلاقاتُها وخططها الخاصة للداخل والخارج. وملف الخارج الإيراني، يشمل بطبيعة الحال لبنان.
عبداللهيان أيضاً، كانت له شخصيته المميزة في إيران والخارج. عند الرجل أسرار المقاومات، والنكبات.. والمفاوضات. يُسجّل لعبداللهيان ورئيسه «رئيسي» النجاحُ في الاتفاق التاريخي مع المملكة العربية السعودية. هذا الاتفاق الذي أراح السعودية من جهة اليمن، وأراح إيران تجاه العرب والعالم. أعطى الاتفاق مع السعودية برعاية الصين لطهران أكثر مما أعطى للرياض. لكنّ رؤية وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ٢٠٣٠ والتي أعتقد أنها ستصير قريباً ٢٠٥٠، أراد فيها الهدوء وعدم الالتفات إلى أي عائق أمام تصوراته وطموحاته «السوبر كبيرة». لذلك أعطى «الأوكي» لبيجينغ في المصالحة مع إيران وإقفال ملف ناريّ في اليمن، لم تستطع الولايات المتحدة نفسها حلّه. الرؤية السعودية السياسية في فلسطين أيضاً تُحرج إسرائيل وليس العكس. الحل: دولتان، واحترام الحقوق الفلسطينية، وإدارة الصراع الإسرائيلي العربي بالطرق السلمية.
لبنان ينتظر حلاً شبيهاً لما جرى في اليمن برعاية الخماسية. لكن مطلوب من حزب الله، وباقي الأطراف السياسية بلا استثناء عدمُ «الممانعة» وعدم المقاومة لطريق الحل. الحل يبدأ من عودة الموفد الدولي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت لإنقاذ جهود الخماسية، ولوضع الفرقاء اللبنانيين مرة جديدة أمام مسؤولياتهم في ظل الحدث الإيراني الكبير، واستمرار العدوان الإسرائيلي على رفح وكل غزة وجنوب لبنان! يريد لودريان والخماسية، أن يبدأ الفرقاء اللبنانيون «مشاورات» تؤدي حكماً إلى جلسة في مجلس النواب بدورات متتالية لانتخاب رئيس. أما الأسماء، فلتكن تلك التي تنطبق عليها مواصفات بيان الدوحة الواضحة وضوح الشمس. وبحسب بيان الدوحة فإن «آخر الدواء الكيّ». كشف للمعطلين ومعاقبتهم من قبل المجتمع الدولي. يرى العالم أنه حان الوقتُ كي يوقف المعرقلون تعطيلهم لاستحقاق الرئاسة في لبنان. ويطلبُ وقف كسب الوقت لصالح أي اسم أو فريق، مقابل نجاح الجميع عبر انتخاب رئيس. الأزمة الوجودية في لبنان غير المسبوقة، تحتّم وجود رئيس «ثالث» تتفق عليه المعارضة والممانعة، يكون انتخابُه، بداية الطريق لاعتماد الإصلاح وبناء الدولة في لبنان.