الإعلامي منير الحافي
لمتابعة الكاتب:
@mounirhafi
X, Facebook, Instagram
قرأت خبراً أعاد إليّ نوعاً من الثقة بإمكانية استرداد الحقّ، وإن طال الزمن. فقد تمكّن وزير الثقافة محمد وسام مرتضى وسفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب، من استرجاع رأس أشمون الأثري الذي كان قد سرق من لبنان. وبحسب بيان صدر عن وزارة الثقافة فإنّ رأس أشمون الأثري المستعاد، مدرج على لائحة الجرد الخاص بالمديرية العامة للآثار.
أودع الرأس يوم اكتشافه في مستودعات صيدا ثم نقل إلى مستودعات جبيل، حيث تمّت سرقته بين 29-30 تموز من العام 1981. وقد تسلم السفير أديب القطعة الأثرية من رئيس مكتب الشرطة الجنائية - فرع الممتلكات الأثرية والفنية في ولاية بافاريا الألمانية.
يقدّر اللبنانيون عالياً آثارَهم وتاريخهم الذي يتنوع ما بين الروماني والفينيقي والأمويّ والمملوكي والعثماني. حتى أنهم يقدّرون المنشآت الفرنسية على أيام الانتداب في لبنان. لكنّهم الآن، يريدون أن يحيوا حاضرهم حياة كريمة، كما عاش آباؤهم وأجدادهم.
لا يريد اللبنانيون أن يضطروا إلى مدّ يد المساعدة المادية والاجتماعية من أحد، لا من مسؤول ولا من جمعية ولا دولة أوروبية أو غيرها. يريد اللبنانيون أن تقوم دولتُهم أولاً بإنصافهم عبر إعادة حقوقهم المسلوبة. وأهم هذه الحقوق، هي حقوق المودعين في البنوك اللبنانية.
في جلسات السمر الاجتماعية، يتناول الحاضرون من سياسيين واقتصاديين أرقام ودائع اللبنانيين وبعض العرب في البنوك اللبنانية. منهم من يقول إنها ٢٠٠ مليار دولار، وثانٍ يقول إنها ١٨٠ وثالث : مئةٌ وخمسون. حفلة زجل سياسية اقتصادية، لا يستطيع المواطن العادي، مثلي، فهم أيِ الأرقام أصحّ.
الأمين العام لجمعية مصارف لبنان الدكتور فادي خلف كتب في افتتاحية تقرير الجمعية لشهر نيسان الماضي : إن رقم الأموال المودعة في المصارف عشية ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ هو ١٢٤ مليار دولار. واتهم خلف الدولة ومؤسساتها المالية خصوصاً مصرف لبنان بإهدار ١٢١ ملياراً من أصل ١٢٤ ملياراً ، عبر إجراءات مالية ونقدية وغيرها. واعتبر أن هذه، حقوق المودعين والمصارف على السواء، وهي مطلوبة من الدولة.
في المقابل، سمعت أكثر من مسؤول يقول إن مسؤولية ما جرى تقع على عاتق أكثر من طرف: الدولة، ومصرف لبنان، والمصارف. والطرف الرابع هو المودع. يعني أن بعض المسؤولين يعتبرون المودع مسؤولاً كذلك عن ضياع وديعته لأنه «استسهل الربح السريع عبر وضع أمواله في البنوك». وهنا أسجّل اعتراضي ومعي كافة المودعين. فتعريف الوديعة هي أمانة وضعت عند المصرف. والمودع ليس مسؤولاً حكومياً ليدخل في متاهات تقاذف المسؤوليات بين الدولة ومصرفها المركزي والمصارف. والمودع ليس مستثمراً يدرس أدوات الاستثمار ومنطق الربح والخسارة. المودع كان يثق بـ«بنكه» وكان يعتبر مدير البنك الذي في حيّه مثل «طبيبه» يثق به ثقة عمياء. ومن الثقة ما أعمت!
الودائع في بنوك لبنان، هي للبنانيين في معظمها. حتى أن الكلام عن أن ودائع السوريين في لبنان تبلغ ٦٠ ملياراً هو غير دقيق على الإطلاق بحسب مصدر مطّلع. «المبالغ السورية لا تصل إلى ستة مليارات كحد أقصى» فبعد العام ٢٠١١ صدرت قوانين وضوابط مالية تمنع إيداع الأموال السورية في لبنان.
السؤال الجوهري: هل تعود الودائع، وكيف؟
الجواب نعم، ولكن. يجب أن تبدأ «تعبئة المياه من فوق». تبدأ من الجرّة، فالإبريق، ثم «الكبّاية». الجرّة هي الدولة، ومصادر دخلها معروفة بعد ترشيد الإنفاق. تفتح النافعة، وتتشدد في مداخيل المرفأ، وتوقف تهريب البشر والبضائع عبر الحدود. إلخ. إجراءات مصرف لبنان تتبع سياسة البلد والناس لا سياسة السياسيين. دور المصارف الاعترافُ بأخطائها وتحمّل مسؤولياتها تجاه الناس والبدء بإعادة الودائع. الأطراف الثلاثة مسؤولون. بعدما يستوي الوضع الداخلي، يأتي دور الخارج في الدعم سواء عبر القروض الميسّرة طويلة الأجل أو مشاريع الاستثمار في لبنان أو المنح. لا شيء من هذا القبيل إذا لم يجد الخارج جديّة في العمل في الداخل.
حتى ذلك الوقت، نحن بانتظار أشمون ليعود إلى لبنان. وأشمون، كان إله الشفاء عند الفينيقيين. لكنّه لن يشفي اللبنانيين اليوم بكل تأكيد. يعالجنا مسؤولون في الدولة وخارجها، نظاف الكف، يخافون الله، يحترمون أنفسهم، يحترمون الناس. ويخافون حقيقةً، على البلد.