يوجد في العالم قطبان باردان، شمالي وجنوبي.. ولمن اعتقد أن التحديد الذي سبق كان سياسيًا استراتيجيا فالحقيقة أنه لم يكن سوى جغرافي.
على أي حال، لم يعد من السهل التحدث أمام أي كان عن الاقطاب الا والفكرة عينها تراود أذهان الجميع: الاميركي المتربع على عرش العالم لو أن هذا المشهد بات، وأقل ما يقال عنه، متخبطًا.
فعلى الساحة الدولية تطورات على شتى الساحات، تطال الاميركيين بشكل مباشر. سلسلة من الاحداث المتزامنة يثير تزامنها الشك والريبة بدءًا من تواتر أنباء عن امكانية انسحاب القوات الاميركية من سوريا التي سرعان ما حرص البيت الابيض على تكذيبها، وصولًا الى البحر الأحمر والحوثيين الذين استدعوا الاستعانة الاميركية بالصين.
وأخيرًا، تعرضت قاعدة التنف الاميركية وللمرة الاولى منذ بدء حرب غزة الى استهداف بمسيرة، فيما لا يزال كل ما يدور حول هذا الموضوع مجهول أو مجهّل.
وفي هذا السياق، أشار الصحافي المتخصص في الشؤون الدولية أمين قمورية الى أن "القواعد العسكرية الاميركية هي المستهدفة في كل المنطقة، تحديدًا في العراق وسوريا وكان الهدف الأخير على الحدود السورية الاردنية أقرب للحدود الأردنية الا أن المستهدف هو القاعدة العسكرية بحد ذاتها".
واعتبر في حديث لـvdlnews أن "الهدف وراء ذلك هو توجيه رسالة الى الاميركيين مفادها أنهم معنيون بالوضع في غزة وأن لولاهم لما استمر الهجوم عليها بهذه الطريقة وبالتالي لا بد من الضغط عليهم ليضغطوا بدورهم على الاسرائيليين بهدف ايقاف الحرب على غزة".
وأضاف، "الرسالة الثانية هي الرد بالمثل بعدما تعرضت بعض المواقع للاستهداف والشخصيات للاغتيال من قبل الاميركيين وكأن هناك محاولة لـ "جرجرة" اميركا أكثر وأكثر على الصراعات كورقة ضغط لأي مفاوضات قد تجري في المرحلة المقبلة".
وقال قمورية في حديث لموقعنا، "كأن ثمة نية في الا يظن الاميركيون أن الاردن بعيد عن الساحة بل حتى هذا الأخير يمكن ادخاله كما سوريا في الجبهة في المستقبل الى جانب الجبهة اللبنانية واليمنية والعراقية وبأننا بالتالي امام جبهة شاملة وواسعة من شأنها أخذ العالم الى مكان خطر جدا، كأنه يقال للاميركيين "ان كنتم لا تريدون ذلك المكان الخطر فلنجد حلًا اولا بوقف العدوان على غزة وثانيا بالتفاوض".
وعمن يتوقع أن يكون المسؤول عن هذا الهجوم، لفت الى أنه "بتقديري الفصائل العراقية المتطرفة فهناك نوعان من الفصائل في الحشد الشعبي منها موالي الى الحرس الثوري ومنها أقرب الى المرجعيات الشيعية وبالتالي اعتقد أنها الحركات الاكثر تطرفا وربما حركة حزب الله العراقي او حركة النجباء التي قتل الاميركيون احد مسؤوليهم الكبار بالاضافة الى فصائل ثانية ممكن أن تدخل في هذا التوجه لتقول علنا إنها ضد الاميركي في المنطقة".
وحول عدم تمكن الاميركيين حتى الآن من تحديد المسؤول عن الهجوم، اعتبر قمورية أنه "ليس من السهل أن يحسم من الذي قام بالعملية بوجود مجموعات تتصرف أحيانا من تلقاء نفسها وتكون متداخلة أحيانا أخرى وقد يكون لدى الاميركيين معلومات ويبحثون عن الطريقة الانسب لتوجيه الاتهام".
وعن إمكانية أن تلجأ أميركا الى الرد العسكري المباشر لتصفية حساباتها مع إيران، شدد على أنني "أستبعد أن يكون هناك رد مباشر على إيران بل يمكن أن يكون هناك رسائل تحذير للايراني بوسائل أخرى".
وتابع، "أعتقد أن الرد سيكون على مجموعات عراقية بالدرجة الأولى الا أن احتمال الرد على إيران يبقى واردًا لاسيما مع الضغط الاميركي الكبير في الداخل لتوجيه رسالة الى الايرانيين وأعتقد أنه اذا تم توجيه هذه الرسالة فستكون شكلية أي تبقى على مستوى الرسالة وليس العمل التدميري".
وعما يحدث في البحر الأحمر من عمليات عسكرية من الجانبين الحوثي والاميركي-البريطاني، رأى قمورية في ذلك "نوعا من لعبة يمارسها الطرفان، فالحوثيون يريدون اثبات وجودهم وهي في الوقت عينه فرصة مناسبة للاميركيين للعودة الى البحر الأحمر وبقوة أكثر وإعادة تحريك كل الاساطيل"، موضحًا "غايتها أبعد بكثير من مواجهة الحوثي".
وحول لجوء أميركا الى الصين لردع الحوثيين، أوضح أنه "عندما رعت الصين الاتفاق السعودي الايراني كان همها الاساسي هو الاستقرار في اليمن الذي يؤدي الى حلول الاستقرار في ممر باب المندب علما أن الصين لا تريد وجود صراعات في باب المندب لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على أعمالها التجارية".
ولفت الى أن "الاميركي على دراية بهذا الواقع تماما وهي تمثل اذا جزءًا من الضغوطات الكبيرة على الصين وعلى الحوثي وبالتالي يكون الاميركيون قد وضعوا الصين بصفهم من جهة ومن جهة أخرى ضيقوا قدر الامكان على الحوثيين".
وبالنسبة الى ورود أنباء عن احتمالية حدوث انسحاب أميركي من سوريا تلاها مباشرةً نفي من قبل البيت الأبيض، أكد قمورية أنني "لا أعتقد أن الاميركيين في وارد الخروج من المنطقة بما أن لهذا الأخير حسابات ثانية وهو من شأنه أن يعرقل العديد من الأمور"، معتبرًا أنه "من المبكر بعد التحدث عن انسحاب اميركي من سوريا فهم لا يريدون تركها ساحة فارغة "يلعب" فيها غيرهم".
وختم، "حتما لو كان الموقف الاميركي مغايرًا لما كنا قد وصلنا الى ما نحن عليه الآن فالعدوان على غزة تتحمل أميركا المسؤولية الكبرى فيه بدفعها الأمور الى ما هي عليه اليوم وتغطيتها الحكومة المتطرفة لتواصل إسرائيل حربها".
لطالما أخذت الولايات المتحدة الأميركية شعار "محاربة الارهاب" على عاتقها فسمحت لها حنكتها الدخول والتدخل بشؤون دول جمة حتى باتت تتنعم بـ "العرش" على قاعدة المجتمع الدولي. في الواقع، أين يقع العرش ومن الحاكم؟ وهل تبقى اميركا على العرش مع كل ما كلفها ذلك ولا يزال من خوض حروب دامية وتغذية قضايا متفاقمة ومواجهة شعوب متمردة؟