عام على الشغور الرئاسي: الكل على المحك...والموارنة في الطليعة
عام على الشغور الرئاسي: الكل على المحك...والموارنة في الطليعة

خاص - Tuesday, October 31, 2023 5:09:00 PM

جوزف القصيفي   

لا يبدو منطقيا على الإطلاق الاقلال من أهمية انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان  لأن الرئيس ووفاقا لمنطوق الدستور ،وبصرف النظر عن الصلاحيات المناطة به ، هو رأس الدولة ورمز وحدتها. ومن الناحية النظرية على الاقل، فإن دولة بلا رئيس تعادل كيانا وطنيا وسياسيا بلا رأس. وليس صحيحا أن دولة كلبنان، أو سواها تستطيع أن تقلع في بلد ابقى دستوره لرئيسها، بعد مؤتمر الطائف 1989، صلاحيات أساسية في عملية تكوين السلطة. ولبنان اليوم في وضع لا يحسد عليه، على أن اكثر المتضررين من هذا الوضع هم المسيحيون ولاسيما الموارنة. ألا يكفي هؤلاء أن كرسي الرئاسة الأولى العائدة لطائفتهم لا تزال شاغرة منذ سنة، التي أضيف إليها شغور مماثل في منصب حاكم مصرف لبنان الماروني ايضا، وذلك من دون التكهن بما ستؤول اليه قيادة الجيش اذا حان أوان تقاعد العماد جوزف عون من دون أن يتمكن النواب من انتخاب رئيس جديد. 

من يتحمل مسؤولية هذا الواقع الضاغط الذي يهدد فعلا لا تهويلا بفرط الدولة، وتعميم الفوضى، واضعاف قدرة الجيش والقوى والاجهزة الامنية على الحفاظ على الاستقرار العام بالحد المقبول الذي نشهده. ثمة من يلقي اللوم على الاشتباك الدولي والاقليمي الحاصل في المنطقة وخلفية التعاطي مع المحاور المتصارعة، وكيفية التعامل مع القضية الفلسطينية: الحل السياسي بالتطبيع او المقاومة لارغام إسرائيل على تقديم تنازلات ترفض حتى الساعة مجرد التفكير بها. ولأن كل طرف يريد أن يكون الرئيس الجديد مشايعا لخطه، لذلك فهو يحاول  فرض مرشحه، أو تعطيل حظوظ المرشح الغريم في الوصول إلى قصر بعبدا، مستخدما كل الأوراق. هذا الكلام صحيح في جزء كبير منه، ويلقي الضؤ على مدى تدخل آلاخر شرقا وغربا في الاستحقاق الرئاسي، وتحريك هذا الفريق أو ذاك بما يخدم خططه. ولو لم يكن الخارج وراء هذا المشهد، وصدقت ادعاءاته بأن الاستحقاق هو لبناني صرف، لما لاقت المبادرة الفرنسية الفشل، ولما تعثر حراك اللجنة الخماسية. ومن هنا، فإن القول إن الاستحقاق الرئاسي هو رهينة المناورات والسياسات الخارجية يبدو صائبا إلى حد بعيد.       

ولكن هل يعني هذا ألا دور للبنانيين، وقواهم السياسية على إختلافها وتنوعها، في تقرير هذا الاستحقاق المصيري، من خلال الالتزام بحوار جاد، مكثف يرمي إلى وضع الخطوط الرئيسة للمواصفات التي يفترض توافرها في الرئيس العتيد، والشروع في عرض اسماء المرشحين المفترضين وتقويم قدراتهم، وما يمكن أن يقدموه من إضافة تمكنهم من التقدم إلى هذا المنصب الرفيع، واسقاط الاسم الأكثر ملاءمة من بينها على المنصب بتوافق أو شبه توافق. وهذه العملية لا تتناقض مع جوهر الدستور ولا القواعد الديموقراطية، كما انها " تقنن" التدخلات الخارجية، من دون أن تضعها جانبا كليا. لكن الأولى بالتمهيد لهذه الخطة هم النواب المسيحيون، وخصوصا الموارنة، الذين يتعين عليهم جميعا الخروج من سياسات الحذف والالغاء المتبادلين، والتوافق الكبير اذا تعذر الإجماع على اسم أو أكثر والتعهد بالذهاب إلى المجلس النيابي والاقتراع، والاعتراف بالنتيجة ايا تكن، والالتزام بتسهيل مهمته. واذا كان القول بإن ما يحكى عن صفقة متكاملة تسبق الانتخابات الرئاسية بالاتفاق سلفا على هوية رئيس الحكومة، وشكل الاخيرة، والتعيينات الأساسية في الدولة بدءا من قيادة الجيش، حاكمية مصرف لبنان، وسائر الأجهزة الامنية والقضائية والادارية، غير دستوري. فإن الواقعية السياسية تقتضي أن يتم بموازاة العملية الدستورية والسياسية التي يفترض أن تؤدي إلى إنتاج رئيس جديد، أن تجري مشاورات تحدد الآليات المفضية إلى استكمال مشهد تكوين السلطة من خلال التوافق على الاسماء بعد الاطلاع على كفايات اصحابها وطاقاتهم. فاللبنانيون يتذكرون أن مسألة تشكيل أولى حكومات عهد الرئيس الأسبق ميشال سليمان استغرقت وقتا طويلا جدا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحكومة الأول  لعهد الرئيس السابق ميشال عون. وهذا ما  وضع العديد من المعوقات في وجه العهدين السابقين في بداية انطلاقتهما وعرقل عمل مؤسسات الدولة على إختلافها.         

من هنا، فإن على الكتل النيابية المسيحية،والاحزاب والتيارات والنخب المارونية، وهيئاتها العلمانية، أن تحزم أمرها وتشمر عن ساعدها، والإفادة من التطورات الدرامية في المنطقة للانطلاق بايقاع مختلف لانهاء الشغور الرئاسي. لماذا الموارنة؟ في موضوع الرئاسة: ببساطة هم المعنيون الأول كون الرئيس هو من طائفتهم، وكل يوم يمرعلى الشغور، يضعف اكثر فأكثر مكانة الطائفة ودورها. لماذا المسيحيون؟ ببساطة إن المسيحيين يجدون في لبنان المتنفس، وبلد التنوع، والحاضن لمن تبقى من المشارقة الذين نزحوا أو هجروا بكثافة من بلدانهم القريبة بفعل الحروب والاحداث والمضايقات. لماذا المسلمون؟ ببساطة لأن لبنان الوطن وطنهم، بقدر ما هو وطن المسيحيين، وأن الشراكة الوطنية تضع على كاهلهم مسؤوليات تاريخية في الحفاظ على وطن الارز بلدا للتنوع والعيش الواحد والمتكافىء في إطار مواطنة كاملة يجب أن تتحقق إنطلاقا من الشعور بأن لبنان هو وطن نهائي لجميع اللبنانيين. اللبنانيون على المحك، المسيحيون على المحك، لكن يقظة الموارنة، والخروج من انقساماتهم، وادراك مسؤوليتهم المصيرية والتاريخية، تبقى جواز المرور إلى الحل الذي طال ، والى الكرسي  التي تترقب  في بعبدا من يزيل عنها غبار الانتظار.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني