أمطار متفرقة أدت إلى "الطوفان".. حرب غزة روسية المنشأ والجبهة الجنوبية مرتبطة بصفقة إيرانية – أميركية
أمطار متفرقة أدت إلى "الطوفان".. حرب غزة روسية المنشأ والجبهة الجنوبية مرتبطة بصفقة إيرانية – أميركية

خاص - Tuesday, October 31, 2023 6:35:00 PM

مر أكثر من عشرين يوماً على "طوفان الأقصى"، وما لا ريب فيه، أن عملية "الطوفان"، وعلى الرغم من الرد الإسرائيلي الضخم والفتاك، غيّرت معادلات كثيرة في الصراع العربي الإسرائيلي وفي المنطقة عموماً، ولعل أبرز تحول حصل هو تبدّل موقف إسرائيل من "المبادر" إلى "المدافع"، وهذا الأمر سيفرض حتماً على القادة الغربيين والإسرائيليين والأميركيين المستقبليين، مقاربة جديدة للملف الفلسطيني، والخروج بفتاوى جديدة لإضفاء نوع من الشرعية الدولية أو الغطاء الدولي على أعمال إسرائيل التوسعية والإجرامية.
في هذه الكتابة، أحاول أن أقدم قراءة ولو متأخرة بعض الشيء، لحرب ما زالت في بدايتها، قد يجد فيها القارئ أسئلة أكثر من الأجوبة، وهي قراءة لا تنطلق من العواطف والأمنيات، بقدر ما تحاول أن تستند إلى التحليل وتقدير للمواقف، في محاولة قد تصيب أو تخطئ لمعرفة السيناريوهات المتوقعة واحتمالات تحققها.

"طوفان الأقصى".. وليد مسار طويل من الأحداث المتتالية


مخطئ من يظن أن الأحداث في فلسطين أو جنوب لبنان هي ردود فعل آنية وحسب، أو مجرّد مناوشات محدودة، إنما كل ما يحصل في المنطقة هو ليس إلا جزءا من المشهد السياسي العالمي الأشمل (الأكبر)؛ انطلاقاً من انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في 2021، حيث اعتبر البعض أن هذا الانسحاب ضعف وتراجع أميركي. إلا أنه وبالنظر بتمعّن، يتبين أن هذا الانسحاب ما هو إلا حجر عثرة بين الصين وإيران بوجه مشروع "الحزام والطريق" الصيني، فقد تركت أميركا وراءها عشرات آلاف قطع الأسلحة وجماعة "طالبان" السنية المتطرّفة لتتحكم بمفاصل أفغانستان، ما يجعلها دولة غير آمنة وبالتالي تهدد أمن وسلامة طريق الحرير الصيني.
من جهة أخرى، عملت أميركا على إشعال الحرب الروسية – الأوكرانية، كمحاولة لإضعاف روسيا، الحليف الأول للصين والأقرب جغرافياً لها، ومعها الاتحاد الأوروبي لتتمكن من خنقه وإرغامه على الاعتماد على النفط الحجري الأميركي، وابقائه تابعاً وقراره السياسي مصادر. في المحصلة، أضعف "العم سام" روسيا والاتحاد الأوروبي، ويسعى جاهداً إلى ضرب الصين أيضاً، وعرقلة طريق الحرير بين إيران والصين عند نقطة أفغانستان، كما أُعلن عن إنشاء خط "I2U2" المنافس للحزام والطريق والذي ينطلق من الهند مروراً بإسرائيل وصولاً إلى أوروبا.

هل كانت إيران تعلم؟

كثرت التحاليل والاجتهادات حول ما إذا كانت عملية "كتائب القسام" وليدة قرار فلسطيني بحت أو بإشارة خارجية، في الوقت الذي قال فيه الرئيس الأميركي بايدن ونتنياهو أن إيران لا علاقة لها بـ"الطوفان" ولم تكن تعلم أساساً بالعملية، وهذا ما أكده وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان. إن هذا الأمر يضعنا أمام عدة احتمالات، الأول أن إيران فعلاً لم تكن تعلم، وبالتالي تكشّفت "كذبة" وحدة القرار والموقف لدى أذرع إيران المسلحة، وهذا الاحتمال الأبعد. أما الاحتمال الثاني، هو أن إيران على دراية تامة بكل ما كان يحضر له، مما يجعلنا نتساءل عن توقيت صفقة تبادل الأسرى بينها وبين أميركا مقابل احتمال الافراج عن الـ "6 مليار دولار" العالقة في البنوك الأجنبية بفعل العقوبات، فضلاً عن الامتناع عن تمديد العقوبات على البرامج الصاروخية الإيرانية بعد انتهاء مدّتها. كل ما ورد، يشير إلى أن هناك "طبخة" قد طُبخت بين طهران وواشنطن لم تتضح معالمها بعد بفعل ضباب "الطوفان" الذي يحتل المشهد الإقليمي والعالمي.
ولكن بإشارة من تحرّكت "حماس"؟
إن احتمال جهل طهران بالتحضير لهذه العملية بعيد كل البعد عن المنطق، إلا أنه يوجد لاعب آخر مسؤول مباشر عن دعم وتسليح "حماس" لهذه العملية وهي روسيا. قد يستغرب المرء عند الوهلة الأولى، ولكن هناك معطيات عدة تجعلنا نوجه الأصابع باتجاه "الدب" الروسي. ولعلّ الدليل الصارخ هو تسلّح الفصائل الفلسطينية بأسلحة خفيفة ومتوسطة، أميركية وأوروبية الصنع وفق ما أوردته تقارير صحفية عدة، حيث يُعتقد أنها عائدة لشحنات الأسلحة التي من المفترض أن تصل للجيش الأوكراني إلا أن الجيش الروسي صادرها. ويعمل بوتين على تسليح "حماس" بأقل كلفة ممكنة لمواجهة إسرائيل ومن ورائها أميركا.

لماذا تجازف روسيا؟

لطالما كان الشرق الأوسط مركز صراع الأقطاب، إلى أن عمدت واشنطن على نقل الصراع إلى أوكرانيا، في محاولة لجلب المتاعب إلى "عرين" القيصر، وإلحاق خسائر به للحد من الطموحات الروسية بالتمدد في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. لكن هذه المساعي لم تحقق النتائج المرجوة، فالحليفان الصيني والروسي وسعا نفوذهما في المنطقة وأفريقيا بعيد الحرب الروسية – الأوكرانية، مطيحان بالنفوذ الغربي والأميركي شيئاً فشيئاً في أفريقيا.


إن العلاقة الروسية الإسرائيلية جدّية، وقد ترسخت في عهد بوتين، وتبادلت القادة الزيارات في مناسبات عدة. وربما بلغت العلاقات أوجها في عهد الرئيس الأميركي أوباما، إلا أن "الغزو" الروسي لأوكرانيا فرمل تطور العلاقات.
أما فيما يخص عملية "حماس" في غزة، وكأن روسيا ترد الصاع صاعين، أو تحاول أن توظف ما حدث لصالحها، فرغم أن بوتين دان هجمات "حماس"، إلا أن مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الذي يدين العنف ويدعو إلى وقف إطلاق النار خلا من ذكرها، فيما يبدو أن روسيا حريصة أكثر على علاقاتها مع إيران التي تقف خلف "حماس"، أكثر من حرصها على إسرائيل التي تمد أوكرانيا بالسلاح والعتاد والدعم المعنوي والسياسي والإعلامي.
غير أنه لم يبد أن التفاهم الروسي الإسرائيلي أصابه العطب في سوريا، ولكن اتساع رقعة المواجهة يمكن أن يجعله في خطر.

الجبهة الجنوبية.. لن يكُون هناك حرب

إن حزب الله لن ينخرط في المعركة نظراً إلى أن توقيت المعركة ليس بتوقيته ولا بتوقيت إيراني، إنما بتوقيت روسي بامتياز.
أما من جهة أخرى الحزب يعلم من اللحظة الأولى أنه بحال دخوله المعركة، سيكون بمواجهة مع الولايات المتحدة وليس مع إسرائيل حسبما أعلنته الخارجية الأميركية مراراً، منذ بداية "طوفان الأقصى". فانخراط الحزب في الحرب، سيعرّض معادلة "مشاركة القوة" الأميركية – "الشيعية" في لبنان للخطر، حيث يقع الجيش اللبناني موقع الحارس لهذه المعادلة، ولعلّ دفاع الجيش الشرس عن السفارة الأميركية في بيروت أثناء الإحتجاجات الأخيرة، وعن شاحنة الحزب التي انقلبت في الكحالة خير دليل على ذلك. ويمكن القول إن هذه المعادلة مكّنت حزب الله في السنوات الأخيرة من توسيع وتوطيد نفوذه في بعض مؤسسات الدولة. لكن هناك حالة واحدة تجعل حزب الله يدخل الحرب دون "التفكير مرتين"، وتتمثل بتوغل بري شامل للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، إلا أن هذه الفرضية مستبعدة، حيث من المتوقع أن نشهد عملية قضم إسرائيلية بطيئة للأراضي في القطاع لعدم إحراج الحزب وارغامه على الانخراط في صراع قد نعلم كيف ينشب ولكن لا يمكن التنبؤ بنهايته.

أما السؤال الأهم والذي يطرح نفسه بقوة: ما هي مكافأة الحزب لعدم مشاركته في الحرب بعد انتهائها؟

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني