النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
أبدأ بتوجيه تحيّة حب، من مواطن طرابلسي، إلى الكاتب والشاعر عقل العويط الذي أنصف أمّه طرابلس في مقال هو الشعر والحب والغضب.. هتفتُ له شاكراً وها أنا أكتب له وأقول: إنه عقل وقلب وقلم حنون وصارم.
اليوم في الزمن المتفلت لِنَعُدْ إلى الانضباط، فلقد طال بي التمويه، وأسرفتُ في استعادة ذكريات الدفاتر القديمة؛ لكنَّ مذاق الخيال الافتراضي العذب لا يطمس المرارة، وكوب ماء بارد لا يخفض الحرارة، كما أنّ سماع الشعر الجميل لا يخفّف الشعور بالرهبة مما يحيق بنا من نار تزيد استعارًا ومن مأزق تضيق حلقاته، ومن انسداد آفاق الحلول، وظهور أشباح تبشر بمجهول تضيع فيه المُهج والعقول.
أما بعد...
فقد دأبْتُ على الإنصات لخطب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله ومحاولة استنباط الإشارات العميقة التي تتضمنها. وفي كل مرة أتأكد أنه السياسي الوحيد في لبنان - مع منظومته طبعاً - الذي يملك خطة ووسيلة، وإمرة ومهابة، وقدرة على توجيه الرسائل الصارمة إلى حلفائه كما إلى خصومه في الداخل، وأعدائه في الخارج.
من الطبيعي ألا تنحصر النظرة إليه كواحد من القيادات اللبنانية، فهو مضطلع بدور إقليمي كبير، ومشتبك في نزاع دولي خطير، وعليه فإن خطابه اللبناني لا يترجم إطلاقاً وفقاً للقاموس المحلي، بل له مفرداتُه المتعدّدة الترجمات، ولا أبالغ إن قلت إن الدوائر الأجنبية تعكف على تفسيره واستكناه مراميه بصورة أكثر جديَّةً وحرفية مما يفعله ممثلو المسرح اللبناني المملّ والمدعى أنه حكم وسلطة وسيطرة وتحكّم.
لقد وصل السيد حسن في خطابه الحازم إلى التأكيد أنّ العدو لن يتمكن من قتل المقاومة بل هي التي ستقتله، في معرض إعلانه عن رفض شروط أميركا التي لا همّ لها إلا مصلحة العدو الإسرائيلي.
لكنني كمواطن لبناني عادي، مثل غيري من سائر المواطنين، وممن لا يملكون أدوات التحليل العابرة للحدود، ومناهج التفسير للخطب المتبادلة بين أطراف النزاع الإقليمي والدولي، أحاول أن أطرح أسئلة تتعلق بالمعاني المباشرة للخطاب بما له من تأثير مباشر على يومياتهم ودقائقهم وثوانيهم.. خصوصاً أنه تضمن اقتراحات مفصيلة تشفّ عن اللزوم والإلزام.
لذلك تساءلت: كيف للعملة اللبنانية المتداعية أن تكون صالحة لشراء المحروقات بمشتقاتها، ومن هي الجهة التي تقبل أن تبادل بالملموس المتبخر والمتلاشي؟
وتساءلت أيضاً: هل حصل السيد حسن على ضمانات بأن الشركات الصينية ستتولى إعمار لبنان بوساطة الـ B.O.T؟ وهل قدّم له خبراء الاقتصاد خطة تفصيلية تؤمن الانتقال الآمن من الدولرة إلى العملة الوطنية التي لا تملك حتى فرصة التسكّع في سوق البورصات العالمية؟
كما تساءلتُ عن مصير الودائع الدولارية للبنانيين فيما إذا خرجنا من سوق الدولار الذي يهيمن على معظم العالم ما خلا كوريا الشمالية؟
وتساءلت ايضاً إن أخذ بعين الاعتبار، أنّ دحر قانون قيصر لا يتم بالالتحاق بالدول المحاصرة، وأن موازين القوى العسكرية لا قبل لها بتعويض الميزان الاقتصادي الشرس والمتغوّل؟
وهل فاتنا أنّ الانتقال من نمط حياة وأشكال إنتاج إلى أنماط أخرى غير معروفة المعالم يحتاج إلى انتخابات نيابية جديدة تفرز خيارات اللبنانيين في تقبلهم للأفكار الجديدة، بما يقتضي معها تعديل دستورنا بصورة جذرية؟
أسأل أخيراً، أما من إمكانية للبحث في استراتيجة دفاعية تستثمر قوة وخبرة وشكيمة فصائل المقاومة اللبنانية، وتترك شؤون الدولة للآليات الديمقراطية!!
حقاً، إنني مواطن ساذج، لأنني طرحتُ هذه الأسئلة الساذجة، ولكنّ معظم المواطنين في هذا المجال سذَّج مثلي أيضاً..
لست أدري ما علاقةَ ما سأختم به، بما تقدم من قول، لكن يلحّ عليّ أن أروي لكم أيها الأصدقاء، أن غوغان صديق فان غوغ اللّدود، قال له بعد أن شاهد إحدى لوحاته المرسومة بريشته المتوترة التي غطها بألوان الريح ليمنح السنابل تموّجها:
لماذا ترسم بسرعة؟
أجاب فان غوغ :
لماذا تنظر بسرعة؟