نداء الوطن
رواد مسلم
يدخل القصف الإسرائيلي غير المسبوق على قطاع غزة أسبوعه الثالث، من دون تحديد بنك أهداف واضحة، سوى استهداف المدنيين، وتحويل أحياء القطاع إلى مقابر جماعية، وتهجير الناجين من القصف، وارتكاب أبشع «جرائم الحرب» بقصف كنيسة برفيريوس والمستشفى المعمداني، حيث تجمّع المدنيون من الأطفال والنساء والرجال غير المشاركين في الأعمال الحربية، علماً أنّ بنيامين نتنياهو قد صرّح في اليوم الثاني بعد عملية «طوفان الأقصى»، بأنّ الهدف الرئيسي المُعلن وراء العمليات الحربية الإسرائيلية هو القضاء بشكل كامل على حركة «حماس» وتحرير الرهائن. وبالتالي من المفترض أن تتركّز أهداف القصف على ضرب البنى التحتية العسكرية للمقاومة الإسلامية، والقضاء على قيادييها بهدف نزع سلطتها عن قطاع غزة، والقيام بعمليات خاصة داخل القطاع لتحرير الرهائن، التي يبدو أنّها شبه مستحيلة.
أُجّلت «ساعة الصفر» مرّات عدّة لإنطلاق المرحلة الثالثة الإسرائيلية بالتوغّل البرّي إلى داخل القطاع للقضاء على «حماس»، بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي نيّته القيام بغزو برّي في اليوم الثاني للحرب للقضاء على «حماس»، وحشد قدراته الهجومية على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية للقطاع. فبعد الحصار المُحكم ومنع دخول المساعدات التي دامت أسبوعين، ودعوات النزوح نحو الجنوب في المرحلة الأولى، والقصف الجوّي العنيف والمدمّر لشمال القطاع في المرحلة الثانية، أصبحت القوّة المُهاجمة المؤلّفة من 5 فرق (2 مدرّعات، 2 مشاة، وفرقة مظلّيين) جاهزة للتوغّل.
كلّ المؤشّرات العسكرية تؤكّد أنّ الغزو البرّي الإسرائيلي سينطلق قريباً، إضافةً إلى الحشود القتالية على حدود القطاع، والبيانات الرسمية بالإستعداد للهجوم، خصوصاً بعد مغادرة الرئيس الأميركي جو بايدن، ووصول أوّل دفعة مدرّعات كمساعدات أميركية. ممكن أن تكون كلّها تهدف إلى الخداع العسكري، لكنّ الوقائع في الميدان تؤكّد إمكانية الهجوم برّاً، ومن الواضح أنّ الجهد الرئيسي سيكون في الشمال مع إمكانية فتح محاور مساندة عدّة برّياً وبحريّاً، فإستراتيجية الغارات الجوية تبيّن نيّة تقسيم شمال القطاع إلى أجزاء بهدف قطع طرق الإمدادات داخل القطاع وعزلها عن بعضها لإعاقة حركة المقاومة، وإعتماد الدمار كخطوط مراحل للهجوم، فيتمّ قصف الأبنية لتهديمها بشكل مستقيم دون وجود ثغرات، لإضعاف القدرات الدفاعية للمقاومة عند بدء الاجتياح البرّي، بحيث ستتمّ محاصرة المباني وتطهير كلّ متر من الألغام والأفخاخ داخل القطاع قبل التقدّم.
لكن، بلا شكّ انّ المقاومة التي خطّطت لوقت كبير للقيام بعملية «طوفان الأقصى»، قد أعدّت الخطط للدفاع عند إنطلاق الهجوم البرّي الذي يأتي كردّ إنتقامي على الإنتصار الذي حقّقته المقاومة في الساعات الأولى. لذلك من المؤكّد أنّ الجيش الإسرائيلي الذي يُريد إنتصاراً سريعاً سيقع في فخّ «حماس» التي ربّما تهدف إلى استدراج العدو للدخول برّياً. أوّلاً، عسكريّاً، إنّ حرب المدن تتطلّب تفوّق المُهاجم بعشرة أضعاف المُدافع، فالأريحية ستكون للمقاومة التي تدرّبت كثيراً على هذه الأنواع من المعارك. ثانياً، لخلق ذريعة لفتح جبهة الشمال حيث التصعيد أصبح قريباً من الإنفجار والتي ستكون قاسية على الطرفين ويُمكنها جرّ المنطقة إلى «حرب شاملة»، خصوصاً أنّ هدف حاملات الطائرات الأميركية قبالة فلسطين ردع دخول «حزب الله» في الحرب ضدّ إسرائيل، علماً أنّ هذا التصعيد في الشمال يخدم الجبهة في الجنوب لإشغال العدو بتخصيص قدرات قتالية في الشمال وعدم تركيزها جنوباً.
ثالثاً، لمعرفة «حماس» بضعف قدرات الجيش الإسرائيلي وقلّة خبرته في حرب المدن، بحيث أنّ الفرد المُدافع داخل مبنى سيكون متخفّياً، و»حماس» تمتلك أسلحة مضادة للدبابات ستُطلقها لعرقلة تقدّم المدرّعات التي ستتقدّم نحو مشارف مجموعة المباني لنشر المشاة داخل الأحياء، فضلاً عن أنّ «حماس» بنت أنفاقاً معقّدة وطويلة ومتعدّدة الوظائف تحت غزة، منها هجومية ومنها دفاعية ومنها لإطلاق الصواريخ والمسيّرات، وقد تمتدّ إلى الداخل الإسرائيلي حيث ستقوم بعمليات إرباك للقيادات العسكرية من خلال ضرب مراكز الثقل العسكرية وطرق المواصلات، والتجمّعات اللوجستية، وتشتيت فكر القائد العسكري. وحتّى لو دُمّرت هذه الأنفاق، فإنّ هناك تقارير تؤكّد أنّ «حماس» قد أبقت العديد من أفرادها داخل المستوطنات كـ»خلايا نائمة» للقيام بتلك الأعمال خلف خطوط العدو عند بدء الهجوم البرّي.
هذا الهجوم الذي سينطلق قريباً لن ينتهي قبل سنوات وسيكون مثل الحرب داخل المدن في الصومال وأفغانستان والعراق. فالهدف السياسي المُعلن يختلف عن الأهداف غير المُعلنة، إذ إنّ الوقائع العسكرية على الأرض توضح أن الهدف تهجير سكّان غزة نحو سيناء، والغارات الجوية تطال كلّ المناطق من دون تمييز بين الأهداف العسكرية التابعة لـ»حماس» والأهداف المحظورة بموجب القانون الدولي، مع التركيز على الشمال، حيث ستكون المرحلة الأولى من الهجوم، والدعم الأميركي للجيش الإسرائيلي غير مسبوق لتحقيق الأهداف. في المقابل، عناصر المقاومة جاهزون ومدعومون من إيران وسيفاجئون العدو أكثر من قبل عند التوغّل برّاً حسب المتحدّث باسم «كتائب القسام». فهل الهجوم البرّي بداية حرب إقليمية شاملة؟ وماذا لو أخفق الجيش الإسرائيلي بعد الدخول ولم يتمكّن من الإنسحاب؟