بعد الاعلان عن ضم مصر وإثيوبيا، استوعبت "بريكس" صراعاً إقليمياً معقداً في رحمها، الأمر الذي يثير تساؤلات عدّة حول قدرة المجموعة وفاعليتها في تشكيل الشؤون العالمية عقب توسيع عضويتها.
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا بعد قمة جنوب افريقيا حتى عادت التوترات بين أديس أبابا والقاهرة إلى الظهور من جديد. ففي العاشر من الشهر الجاري، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي عن استكمال ملء سد النهضة، مما زاد غضب القاهرة. وتعتبر هذه الخطوة التي قامت بها إثيوبيا، مبرر لتفاقم المخاوف المصرية حول صعوبة الوصول إلى مياه النيل الحيوية، وتسلّط الضوء على الإخفاقات الحالية للدبلوماسية الرامية إلى حل النزاع.
فبالنسبة إلى إثيوبيا، يقدّم سد النهضة مخرجاً واعداً للحد من النقص المزمن في الطاقة، إذ ينظر إليه على أنه حافز لمزيد من النمو الاقتصادي عن طريق صادرات الطاقة المحتملة إلى البلدان المجاورة. ومع ذلك، لا يمكن الإنكار أن السد يشكل تحدياً كبيراً لمصر، التي تواجه عجزاً مائيًا ويمكن أن تعاني من شح حاد في المياه بحلول 2025، وفقاً ما أورده تقرير حديث للأمم المتحدة.
كما أشارت دراسات لعلماء وكالة ناسا، إلى مخاطر حقيقية على إنتاج الغذاء في بلد الأهرامات التي فشلت في استبدال النيل بمشاريع أخرى رديفة مثل مشروع "النهر الأخضر" كمحاولة لتخفيف العجز المائي لديها. إلا أن نهر النيل، الذي يوفر حوالي 95% من مياه مصر، لا يمكن تعويضه.
مساع خارجية.. باءت بالفشل
على الرغم من بعض التقدّم في المحادثات بين الجانبين، إلّا أَّن القضايا الرئيسة مثل إطلاق المياه أثناء فترات الجفاف لا تزال تنتظر حلاً قبل الموعد النهائي في كانون الثاني 2024 بشأن كيفية تشغيل السد. وربما العقبة الأكبر أمام التوصل إلى حل جذري هي انعدام الثقة بين الطرفين، بما في ذلك المخاوف في القاهرة من أن إثيوبيا تريد سيطرة أحادية على تدفق نهر النيل.
وفي وقت سابق من هذا العام، حذرت الخارجية المصرية من أن جميع الخيارات مفتوحة لحلّ النزاع، ملمحة بذلك إلى اللجوء إلى العمل العسكري إن لزم الأمر. ولكن ما يمكن استنباطه، هو أن الصراع العسكري المباشر هو الاحتمال الأبعد بعدما انضمت الدولتان إلى مجموعة "بريكس" الناشئة. وبما أن الطرفان غير قادران على حل خلافاتهما بشكل ثنائي، فإن الوساطة الخارجية الحتمية من دول أعضاء في "بريكس" وخصوصاً العرّابين روسيا والصين أمر بالغ الأهمية، خصوصاً بعد تعثر الجهود السابقة التي بذلتها الولايات المتحدة.
في حين لم تنجح المساعي الإقليمية التي يقودها الاتحاد الأفريقي، باستثناء تسهيل المزيد من الحوار وبيانات "كليشيه" لحث الطرفين إلى اعتماد السبل الديبلوماسية وما شابه. والجدير بالذكر أن روسيا حاولت التوسط في نزاع سد النهضة في الماضي، غير أن مساعي موسكو لم تسفر بعد عن أي نتائج ملموسة.
الصين.. من التوغل الاقتصادي البحت إلى الغطس في الوحول الافريقية
إن الدور الصيني المحتمل في التوسط في نزاع سد النهضة يستحق الاهتمام، خصوصاً لجهة مصلحة بكين الراسخة في ضمان نجاح مجموعة "بريكس". وعلى الرغم من أن الصين تعمل على تفادي التورط في الصراعات "التقليدية" في افريقيا، فقد قامت باستثمارات كبيرة في البنية التحتية المرتبطة بسد النهضة في إثيوبيا. وتختلف هذه الاستثمارات بين قروض لخطوط نقل الطاقة التي تربط السد بالمجتمعات المحلية، إلى المشاركة المباشرة في بناء سد النهضة من خلال شركات المقاولة الصينية الجنسية.
فقد جعلت هذه الاستثمارات الضخمة من الصعب على بكين الحفاظ على سياسة عدم الانخراط في "مستنقع الوحول الافريقي". لكن أي ضغط علني لحل النزاع قد يؤدي إلى تعقيد علاقة بكين مع أديس أبابا، وقد تكون بكين متردّدة أيضًا في السعي إلى منع إثيوبيا من إقامة السد لأن الصين كانت تقوم بالشيء نفسه في نهر ميكونغ على مدى العقد المنصرم، الأمر الذي أثار ذعراً كبيراً في دول المصبّ في جنوب شرق آسيا. ومع ذلك، فإن فشل بكين في استخدام نفوذها للجم إثيوبيا قد يجعل مصر أكثر تهميشاً وعرضة لخطر مواجهة عواقب نقص المياه.
"بريكس" ودورها في تصفية النيات
من الواضح حتى اللحظة أن عضوية "بريكس" المعلّقة لم تكن بمثابة دافع لتحسين العلاقات بين الحبشة والفراعنة. واحتمال أن يؤدي النزاع إلى خلق توترات داخل المجموعة يطرح مزيداً من التساؤلات حول قدرتها على العمل بشكل متماسك. وعلى الرغم من اتفاق التطبيع الذي توسطت فيه بكين بين السعودية وإيران في آذار الماضي، فإن إدراج هؤلاء المنافسين التقليديين يضيف المزيد من التعقيدات إلى المجموعة. وحتى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على الرغم من كونهما شريكتان منذ فترة طويلة في مجلس التعاون الخليجي، فإنهما تخوضان منافسة اقتصادية شرسة لجذب المزيد من الاستثمارات في الوقت الذي تعملان فيه على تنويع اقتصاداتهما التي تعتمد على النفط والغاز.
قد ترى إثيوبيا ومصر في عضويتهما الجديدة في "بريكس" فرصةً لتحسين أوضاعهما الاقتصادية الصعبة، لكن إدراجهما دون حل المسائل العالقة قد يزيد من احتمالية تقويض فعالية المجموعة وشرذمتها.
ربما من المبكر جداً معرفة كيف ستؤثر عضوية "بريكس" في النزاع بين الدولتين، حيث يمكن الافتراض أن قدرة المجموعة على صياغة مخرج ديبلوماسي ستظل محدودة في المدى المنظور. ونتيجة لذلك، ومع انسداد الأفق أمام الفرعون الظمآن، وعناد أثيوبيا الطامحة في زيادة مواردها، يمكن اعتبار أن خطوة ضم هتين الدولتين للمجموعة كانت مبكرة قبل تذليل كل العقبات التي تقف بوجه العلاقات الثنائية بالدرجة الأولى وعلى صعيد العلاقات بين دول المجموعة بالدرجة الثانية.
هل تظنون أن ضم مصر وإثيوبيا من جهة والسعودية وإيران من جهة ثانية، خطوة مبكرة سبقت تذليل العقبات بين الأطراف المتنازعة؟
أو أن وضع هذه الدول تحت سقف واحد هي خطوة متعمّدة من روسيا والصين بالتحديد لمحاولة النجاح فيما فشلت فيه الولايات المتحدة؟