هي صرخة انبثقت من عمق الألم ودموع ولدت من كرامة تحتضر... هي آمال شارفت على الموت ومستقبل كسته الظلمة!
هو جوع وفقر ومرض ودموع وبطالة وعوز وأحزمة بؤس وهجرة وجهل وعمالة أطفال... وأكثر... اجتمعت، توحدت وتمخضت حد الألم المبرح لتلد ثورة!
نعم هي ثورة، ثورة الضعيف على القوي والفقير على الغني والمريض على طمع أجسام الطبابة... هي ثورة المحتاج على عوزه وسكان شبه الأكواخ على من حاول أن يسلب منهم ما تبقى لديهم من كرامة تنازع علها تبقى.
في هذه الثورة التي اجتاحت الشوارع اللبنانية، برزت الدموع. دموع الثورة!
وكانت أقساها دموع العسكريين الذين أجبروا مرغمين على التواجه مع من يطالبون لهم بحقوقهم.
دمعة وطن أبكت الوطن بأسره وآلاف التحيات لا تكفي لهؤلاء العسكريين ودموعهم التي زادت حدة الألم في النفوس والقلوب.
" السلطة وصّلتنا إنو نشحد تخت كرمال نموت عليه... صرت خاف اتنفس حتى ما عيش الذل يلي عاشوا أهلي بالمستشفيات!"، هذه كانت كلمات ابنة النبطية ضحى، التي أبكت الملايين، كلمات مدمرة تحت وطأة ألم الفراق هي التي خسرت والدتها جراء اصابتها بذلك المرض الخبيث، وما أدراكم كم "ام ضحى" رحلن بسببه، أما مصدره فعلني ولا يحتاج للشرح!
أما دموع المسنين التي غسلت الشوارع، وصرخة مواطن وضع آلة الأوكسيجين الى جانبه في السيارة وصرخ متألماً: "أنا ما بدي شي من الدولة الي، بدي بس ولادي يرجعوا علبنان ويعيشوا معي"!، هذا الرجل الكهل الذي عايش الحرب وتبعاتها في هذا البلد، وخاض معارك الحياة ليستمر، حرمتموه شبابه ليربي عائلة حرم منها عندما كبر في العمر!
وكم علت صرخات الأمهات اللواتي تمسكن بأبنائهن حتى لا يرحلوا، لكن فرص المستقبل المتوفاة في بلدنا كانت أقوى وفرقت بينهم!
أعلم أن كلامي هو شعر ونثر بالنسبة للبعض، ولربما دخلت في الحراك عوامل عدة شرذمته الى حد ما ولو بطريقة مبطنة، لكن سياسات العالم كلها لا تهمني أمام هذه الدموع التي ملأت الساحات، وكم كانت كثيرة!
وفي كل مرة ظننت أن أحداً لن يبكيني أكثر، يأتي هذا "الأحد" ليعصر قلبي بكلامه وأوجاعه!
هي ليست دموع ثورة وحسب.. هي دموع وطن رغم اخماد نيرانه منذ أسبوع، بقدرة الهية، لا تزال نيران الحسرة على أبنائه تشتعل في قلبه!
أخبروني كيف تُكفكف هذه الدموع؟ أبتجويع الناس بعد أم بالضرب والحرمان حتى يتحول البكاء الى نحيب؟
أخبروني كيف تنامون أنتم وكل من سبقكم وأنتم تحملون على ضمائركم وجع شعب بحجم الوطن وأكبر؟! وما أغبى سؤالي ونحن على يقين بأن ضمائركم دُفنت في الأدراج مع ملفات الفساد المطمورة والتي لن تحركها الا القدرة الالهية بحد ذاتها!
دموع الثورة يا أحبائي، هي التي ذرفت وتلك التي لم تذرف في آن معاً! وفي قلب وطني غصة تصرخ "ما باليد حيلة"!
ثوروا يا شعب لبنان الذي أكد وبرهن أنه عظيم بعلمه وبوطنيته بعيداً عن الزعماء والأحزاب والطوائف التي شرذمت ما تبقى من وحدتكم في السابق، وانتبهوا الى وجهة البوصلة حتى لا تضيع!