بعد تعرضه للاغتصاب ضربوه حتى النفس الأخير ثم أحرقوه... "جيروم" اليوم في العناية المشددة ووالدته تصرخ: "ما بدي ابني يفلّ"
بعد تعرضه للاغتصاب ضربوه حتى النفس الأخير ثم أحرقوه... "جيروم" اليوم في العناية المشددة ووالدته تصرخ: "ما بدي ابني يفلّ"

خاص - Wednesday, October 23, 2019 12:05:00 AM

تدخلات خارجية اغتصبته حد ايصاله للعجز والشلل، وحكام قسّموه ثم تقاسموه وعندما بقي فيه أشجار تتنفس أحرقوه ليخطفوا منه النفس الأخير... "جيروم" ليس انساناً، هو وطن اسمه لبنان، لكنني اخترت له هذا الاسم المستعار تيمناً بديونه الغربية.
وفي الحقيقة، ربما لو لم استخدم له اسماً مستعاراً في العنوان لما كان حظي الموضوع بالاهتمام اللازم.
اليوم، لن أتناول في حديثي وضع البلد بسياسته، بل بناسه وشعبه المتألم والذي انبثق بثورته كطائر الفينيق من تحت رماد الدمار الشامل الذي دفنوه تحته على مر السنوات.
بحكم عملي، بدأت منذ أشهر بكتابة مواضيع خاصة حول قضايا اجتماعية، وكان أولها قصة رجل اسمه جورج، حرق نفسه لأنه لم يعد بامكانه دفع نفقات دراسة أولاده، تلته قصة رجل عرض كليته للبيع في وسط الأوتوستراد ليتمكن من اعالة عائلته... وكم كانت كثيرة تلك المواضيع التي تمحورت حول وفاة شبان في ريعان العمر بسبب طرقات غير مؤهلة للقيادة! وكيف أنسى قصة فتاة أجبرتها والدتها على مزاولة أعمال الدعارة وأحرقت لها عمرها؟ أو الحالات الانسانية لشبان وشابات أصيبوا بمرض السرطان بسبب تلوث البيئة في لبنان وهم لا يملكون المال الكافي للخضوع للعلاج اللازم...
قصص وحكايا تدمي القلب، عشت معها يومياً لأشهر، قصص أشخاص ماتوا بسبب الاهمال والفقر وتعرضوا للتعذيب لأن السيولة لا تكفيهم لعيش كريم.
واليوم وبعد الدموع، اشتعلت الثورة، ثورة حركها الجوع والفقر، حركتها البطالة والعوز... ثورة أشعلتها كرامات ناس يعشقون حياة جردها الحكام من كرامتها!
من أكثر الجمل التي أسمع أمي تكررها: "نحنا عايامنا يا بنتي كان في حرب بس كان في مصاري... انتو جيل معتر ما تركوكن تشوفوا شي من الدني"!، وفي كل مرة أسمعها كلمات محددة تدور في عقلي! أنتم جيل الحرب يا أمي، جيل أرغم على الغرق في جبلة من الطائفية واضطر للانخراط بالأحزاب السياسية.
أنتم جيل حمل معه عتاد الحرب ولم يتعلم أن يتركه فزرعتموه في قلوب أبنائكم، أولئك الذين ولدوا على صرخات وأغانٍ حزبية، وضاعوا في متاهة الألوان التي صبغت فكرهم ومنعتهم من الاهتداء الى طريق الوطنية لسنوات!
لكن ما نفع العتب؟ وهو لن يغير شيئاً من الواقع المرير الذي نعيشه؟ هذا الواقع الذي دفع بالناس الى النزول الى الشارع اليوم للمطالبة بحقوق هدرت على مر السنين.


 
ما لفتني في التظاهرات هو التالي: غالبية من تكلم مع وسائل الاعلام على الطريق هم شبان وشابات، وكانت صرختهم واحدة "أنا تخرجت من الجامعة (أو رح فوت عالجامعة) وما عم لاقي شغل وما بدي فل من لبنان بس ما تركولي حل!"، أما الشريحة الأخرى فكانت من النساء، هن والدات صرخن بحرقة وبغصة الفراق وقلن :"ما بدي ابني يفلّ"!
هم حكام سلخوا الأبناء من أحضان والداتهن، تركوا جيلاً، صُنف بشعلة ذكاء في كل دول العالم بسبب انجازاته على كل الأصعدة، يرحل الى غير رجعة، وكم أتمنى الرحيل معهم!
أولست عينة من هذا المجتمع؟ أنا شابة تحاول بناء مستقبلها، تعمل بجهد ومغرمة بمجالي حد الثمالة... لكنني على يقين بأنني سأرحل في أقرب وقت وأول فرصة! سأترك أهلي وعائلتي وأحبائي وعملي وأرحل الى مكان يصنفني على أنني انسان لا "غنمة"!
وكيف أبقى في مكان، عاش فيه "أبو علي" سائق الأجرة – هل تذكرونه؟ _ واضطر لحمل آلة الأوكسيجين أينما ذهب ووضعها في سيارته ليسترزق لأن لا ضمان شيخوخة يحفظ حقه؟!
كيف أبقى في بلد تُقتل فيه النساء على أيدي أزواجهن باسم شرف مزيّف، ويخرجون من السجن ببراءة تحت غطاء سياسي؟
كيف أبقى في بلد افترش أهله الشوارع وهم يطالبون بأبسط حقوق العيش ولم يحرك حكامه ساكناً؟
كيف أبقى في بلد تحول ثواره على ألسنة السياسيين الى ميليشيات فقط لأنهم طالبوا بحقوقهم؟!
كيف سأترك أمي الباكية على رحيلي لا أعلم؟! لكن ساعة القرار حانت ولا رجوع عنها.
واعذروني على تشاؤمي، لكنني وبالرغم من دعمي لهذه الثورة العظيمة الا أنني لا أرى نتائج حقيقية لها، فحكامنا يتبعون شعار، وعلى رأي المثل الشهير، "يصيحون أهل الشام يصيحون"!
هم لن يتركونا نعيش بسلام، وصبغتهم الطائفية والسياسية ستلاحقنا الى ما لا نهاية... كيف لا ولا يزال عدد كبير من الناس يهتفون لرؤساء أحزابهم ويعلقون صورهم على الجدران في خضم الثورة المشتعلة؟!
"جيروم" يا أصدقائي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقلبه لا يزال ينبض لأن في قلوبكم ثورة أعادت الحياة لشوارعه! تمسكوا بشعلة ثورتكم ولا تتخلوا عنها لأنها الرصاصة الأخيرة قبل أن يفرغ عتاد الأمل!
النصر لكم يا أشرف "الميليشيات" وأصدقها!

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني