دوللي بشعلاني - الديار
بدأ الوفد القضائي الأوروبي تحقيقاته في لبنان بملفّات مالية تتعلّق بتببض أموال وتهريبها الى الخارج، ويتوجّه الى بدء التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت الذي حصل في 4 آب من العام 2020، وأوقع أكثر من 239 ضحية حتى الآن، فضلاً عن آلاف المصابين لا سيما بإعاقات دائمة، والمتضرّرين والمنكوبين. غير أنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، من ضمن الاهتمام الذي يبديه محقّقون فرنسيون ضمن الوفد القضائي الأوروبي بملف انفجار المرفأ، ولا سيما أنّ من بين ضحاياه من يملكون الجنسية الفرنسية والأوروبية: لماذا هذا الاهتمام المفاجىء بالتحقيق في هذا الملف وبتحويله ربما لاحقاً الى «محكمة دولية»، إذا لم يُكتفَ بتحقيق الوفد، خصوصاً بعد أن مضى أكثر من سنتين ونصف على الانفجار؟ ولماذا لم تُسلّم فرنسا الدولة اللبنانية المشاهد من الأقمار الصناعية التي ذكرت أنّها تملكها في وقت سابق، ووعدت بتسليمها للقضاء اللبناني، وعادت وتذرّعت بأنّها غير موجودة؟
مصادر سياسية مطلّعة رأت أنّ توقيت مجيء الوفد القضائي الأوروبي الى لبنان في ظلّ الشغور الرئاسي الحالي، وبعد توقيع لبنان على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، يطرح أسئلة كثيرة حول الأسباب التي دفعت بعض الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا الى التحرّك في هذا الوقت بالذات. فضلاً عن تحويل مهمة الوفد القضائي في اتجاه ملف انفجار مرفأ بيروت، من دون أن يكون الهدف الأساسي لعمل هذا الوفد، على ما أعلن، سوى ملاحقة الفساد في المصارف.
فالمصالح الدولية، مع الأسف هي التي تُحرّك دول الخارج في اتجاه لبنان، على ما أضافت المصادر، وليس مصلحة لبنان واللبنانيين أو حقّ أهالي وعائلات ضحايا انفجار المرفأ في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والمحاسبة. وصحيح أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان زار لبنان بعد الانفجار بيومين فقط، في لفتة مميّزة منه للتضامن مع الشعب اللبناني المنكوب، غير أنّ بلاده لم تعمل بشكل جدّي على مساعدة القضاء في لبنان من خلال تزويده بالمشاهد المأخوذة من الأقمار الصناعية، التي تحدّثت بلاده عن امتلاكها ثمّ عادت لتنفي ذلك. كما لم تعرض فوراً مجيء محقّقين فرنسيين أو أوروبيين للتحقيق في ملابسات الانفجار، رغم وجود عدد من الضحايا من جنسيات أوروبية عديدة.
من هنا، تجد المصادر نفسها، أنّ ثمّة سعيا للبدء بتدويل الأزمة اللبنانية انطلاقاً من عمل الوفد القضائي الأوروبي في لبنان، من دون مطالبة لبنان بذلك. كما أنّ أيا من الحكومات التي تعاقبت من بعد انفجار المرفأ لم تطالب بإنشاء «محكمة دولية خاصّة» للتحقيق فيه، سيما أنّ الأمر سيكبّدها تكاليف مالية ضخمة، من دون أن تتأكّد من مصداقية نتيجة التحقيقات التي ستجريها هذه المحكمة. فإنّ تجربة «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بشأن اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ورفاقه»، التي حصلت على مرّ السنوات الماضية، الى حين صدور القرار الظني والاتهام النهائي، لم تكن مشجّعة لكي يلجأ لبنان مرّة جديدة الى محكمة دولية خاصّة.
وبرأي المصادر، إنّ إخفاء الوفد القضائي الأوروبي لحقيقة عمله في لبنان، واكتشاف ذلك من قبل اللبنانيين من خلال الخطوات التي يقوم بها، يجعل عمله غير موثوق به من بدايته، كونه أعلن شيئاً ما، ونجده تحوّل للخوض في موضوع آخر مختلف كليّاً عن السبب الأول لمجيئه الى لبنان. لهذا ثمّة شكوك في ما ينوي الوفد القضائي الأوروبي العمل عليه أو التوصّل اليه، ما دام يوسّع دائرة نشاطه من دون أي طلب لبناني رسمي منه.
أمّا لماذا تهتمّ فرنسا اليوم، أي متأخّرة الى جانب ألمانيا واللوكسمبورغ بالتحقيق في ملف المرفأ؟ فتقول المصادر عينها انّ الأمر ليس خافياً على أحد، ففرنسا متحمّسة لبدء عمل شركة «توتال» الفرنسية في المنطقة البحرية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، لا سيما في البلوك 9، وبعد توقيع اتفاقية ترسيم البحرية بين لبنان و»إسرائيل»، وما ستجنيه جرّاء عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز فيها... ولهذا يهمّها أن تكون منذ الآن موجودة على الساحة اللبنانية، وإن بوفد قضائي، بحجّة أنّها مهتمّة بكشف الحقيقة وملاحقة المرتكبين بملف انفجار المرفأ وما الى ذلك.
وأشارت المصادر الى أنّ محاولة تدويل الأزمة من قبل الدول الأوروبية، يهدف الى التوصّل لاحقاً، في حال استمرّت في التدخّل في شؤون لبنان الداخلية، من دون أي إعتراضات على أدائها والخطوات اللاحقة التي تنوي القيام بها، الى فرض قرارات معيّنة على لبنان تصبّ في مصالحها في منطقة الشرق الأوسط. وقد يتمشى تلويح أعضاء الوفد بالتالي بفرض عقوبات على بعض القضاة أو الموظّفين، مع ما يُحكى عنه عن إمكان فرض عقوبات أميركية على الأشخاص أو النوّاب الذين يعطّلون انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.
من هنا، أكّدت المصادر أنّ مسار الوفد القضائي الأوروبي في لبنان لا يُطمئن، فتحويل «المحكمة الدولية» الى التحقيق من قبل وفد قضائي، على ما تحاول الدول الأوروبية والغربية، لن يؤدّي الى كشف حقيقة انفجار المرفأ، إنّما الى المزيد من البلبلة على الساحة اللبنانية، والى العودة مجدّداً الى الشارع وانقسامه بين مؤيّد ومعارض لمثل هذه التحقيقات، كونها تطول جدّاً ولا تصل الى الحقيقة.