دوللي بشعلاني - الديار
مع فشل النوّاب في الجلسة التاسعة لانتخاب رئيس الجمهورية، ومع التصعيد بين رئيس تكتّل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل و«حزب الله» والحديث عن إمكانية الذهاب بين الحليفين الى فكّ تفاهم مار مخايل لا سيما بعد كلام باسيل الأخير الذي اتهم فيه الحزب بالكذب عليه، لفتت دعوة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في نهاية الجلسة الى الحوار مجدّداً. فبرّي تلقّف رسالة باسيل سريعاً التي حاول من خلالها التلويح بتراجع نوّاب كتلته (وعددهم 21 نائباً الذي أصبح 20 مع خروج وزير الصناعة جورج بوشيكيان من كتلة نوّاب الطاشناق) عن خيار 8 آذار كونه حليفه المسيحي الوحيد، فطالب الكتل النيابية الى تحديد موقفها من الحوار. وأشار الى أنّ جلسة الإنتخاب العاشرة التي حدّدها يوم الخميس المقبل، وهي الأخيرة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة، قد تتحوّل الى جلسة حوار بدلاً من جلسة الإنتخاب، سيما وأنّ المشهد نفسه لا زال يتكرّر في كلّ جلسة مع تغيير بسيط في بعض الأسماء أو العبارات التي تُشير الى الإستخفاف بالإستحقاق الرئاسي، وليس الى انتخاب الرئيس.
مصادر سياسية مطّلعة رأت بأنّها المرة الأولى التي تتساوى فيها «الورقة البيضاء» مع أصوات رئيس حركة الإستقلال النائب المرشّح ميشال معوّض، بـ 39 صوتاً لكلّ منهما، وذلك بسبب ما حاول تكتّل «لبنان القوي» التمهيد له خلال الجلسة التاسعة لانتخاب رئيس الجمهورية الخميس، عن تغريده خارج سرب 8 آذار الملتزم حتى الآن بالورقة البيضاء. وقد جاءت هذه الخطوة على خلفية التصعيد الذي حصل إثر مقاطعة التكتّل لجلسة مجلس الوزراء التي عُقدت الإثنين الفائت، مقابل حضورها من قبل وزيري «حزب الله» مصطفى بيرم وعلي حميّة، وتصعيد باسيل في كلامه بعد اجتماع التكتّل.
فالأوراق التي أُسقطت في صندوق الإقتراع بإسم «ميشال» فقط أو «معوّض» فقط، وعددها 4، إنّما أتت بمثابة محاولة لزكزكة الحزب، بأنّ تكتّل «لبنان القوي» بإمكانه تأييد المرشّح معوّض الذي كان عضواً سابقاً في التكتّل قبل ثورة 17 تشرين 2019، واستطاع أن يُحرز في إحدى جلسات الإنتخاب نحو 49 صوتاً بين مصوّتين ومؤيّدين له، على ما احتسب وأعلن حينها بأنّ أصواته قاربت الخمسين صوتاً. ومع عدد أصوات التكتّل الـ 20، يُمكن لمعوّض أن يفوز بالرئاسة، ولكن من الدورة الثانية، الأمر الذي يجعل باسيل يحتاج أيضاً الى تأمين النصاب القانوني للدورة الثانية والدورات اللاحقة. غير أنّ «لبنان القوي» بدا وكأنه لم يتخذ قراراً حاسماً بهذا الأمر لأنّ الأصوات لم تتعدّ الـ 4، كما ولأنّ هذه الأخيرة بدت وكأنّها حائرة بين التصويت لميشال أو لمعوّض، رغم أنّه إذا ما جمعنا الإسم والشهرة نصل الى «ميشال معوّض». وقد طالب معوّض ممازحاً، خلال الجلسة، بجمعهما لكي ينال صوتين إضافيين. فأجابه برّي بأنّه مستعدّ للقيام بذلك، لو توقّف الأمر على هذين الصوتين، في حين نصحه النائب سليم عون بتركها منفصلة بغية الحصول على 4 أصوات بدلاً من إثنين.
من هنا، فخطوة باسيل غير مكتملة، على ما أضافت المصادر نفسها، وتدخل ضمن إطار المناكفة السياسية، أو «الشانتاج». كما أنّ باسيل لم يحضر جلسة الإنتخاب، على ما شوهد، بل دخل الى قاعة مجلس النوّاب خلال فرز النتائج. ولهذا فمن الواضح أنّه جاء فقط لتلبية دعوة الحزب الى الإجتماع والحوار. والتقى باسيل وعدد من نوّاب تكتّله، كما عُلم، بنائبي كتلة «الوفاء للمقاومة» حسن فضل الله وعلي عمّار في اجتماع مصغّر في قاعة مجلس النوّاب، الأمر الذي أكّد ما سبق وأن أعلنه عضو تكتّل «لبنان القوي» النائب آلان عون قبل انعقاد الجلسة، بأنّ الباب لا يزال مفتوحاً بين الجانبين، وبأنّ الفراق وكسر الجرّة بين باسيل والحزب لم يحصلا بعد.
وتقول المصادر عينها بأنّه جرى الإتفاق على ضرورة عقد لقاء موسّع ومطوّل بين الجانبين من أجل حلّ جميع الأمور الملتبسة، بهدف التوضيح، وإيجاد قواسم مشتركة فيما يتعلّق بالمرحلة المقبلة. هذا إذا ما كان الجانبان يريدان فعلاً الحفاظ على العلاقة بينهما، وعلى تقوية التحالف بينهما، وتكريس مذكّرة تفاهم مار مخايل بدلاً من فسخها.
وترى بأنّ تصويت بعض النوّاب لأسماء لا علاقة لها بالرئاسة اللبنانية، مثل «نيلسون مانديلا»، أو ليست جديّة مثل «فوزي أبو ملهب»، أو «ضومط بدري ضاهر» أو سوى ذلك، إنّما يُظهر مدى الخفّة والإستهتار في التعاطي مع موضوع مهمّ مثل الإستحقاق الرئاسي من قبل ممثلي الشعب، إن كان لناحية الحضور الذي يخفّ تدريجاً حتى أصبح أخيراً 105 نوّاب من أصل 128، وكأنّ الأمر ليس واجباً على النوّاب الآخرين، أو أنّه لا يعنيهم في شيء.
في المقابل، فإنّ تجديد برّي دعوته الى الحوار، على ما أكّدت، هي لتجنيب مجلس النوّاب خلال الجلسة المقبلة، أي مفاجآت غير محسوبة، كتلك التي يُمكن أن يُحضّرها باسيل، سيما إذا لم يكن هناك حوار بينه وبين «الثنائي الشيعي». كذلك لأنّ برّي الذي يُطالَب في كلّ مرّة من قبل بعض النوّاب بجعل جلسة الإنتخاب مفتوحة الى أن يتمّ انتخاب الرئيس، على ما تنصّ عليه المادتان 74 و75 من الدستور، إنّما يتحمّل مسؤوليته كرئيس للمجلس النيابي. وكان سبق وأن دعا الى الحوار والتوافق لكي يتمّ انتخاب الرئيس، غير أنّ دعوته هذه لقيت رفضاً من قبل «التيّار الوطني الحرّ»، ومن «القوّات اللبنانية» اللذين وجدا أنّها من صلاحيات رئيس الجمهورية. فهل يتقارب «التيّار» و»القوّات» إذا ما فُكّ التحالف بين باسيل وحزب الله، أم أنّ الأمور تتجه الى إعادة تعزيز «تفاهم مار مخايل»، على حساب إعادة البحث في تفاهم معراب؟!