الجمهورية
صفاء درويش
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عودة ارتفاع حظوظ قائد الجيش العماد جوزف عون للوصول إلى الرئاسة. أحاديث تستند إلى مؤشرات اقليمية داعمة لوصوله، وأخرى لا تمانع الإتيان بشخصية لم تدخل النزال السياسي من قبل. إلّا أنّ هذا الأمر لا يُحصر عادةً في لبنان في النيات، بل انطلاقًا من حسابات متشابكة ومعقّدة، تمرّ بحساسية المواصفات وتذهب أبعد منها لتصل إلى مصالح الأطراف الأقوى في الداخل والخارج وطريقة تلاقيها واختلافها تبعًا لاستحقاقات المراحل المقبلة.
«من هو الأصلح للمرحلة؟»، سؤال عادةً ما يُطرح بعد العام 2005، حيث تُجرى المقاربات تبعًا لمدى تباعد أو تقارب الجانبين الأميركي والإيراني، اضافةً الى حجم تأثير كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا. طبخة هذه السنة من الرئاسة تشبه سابقاتها، في مدى تداخل الآراء الخارجية وكثرة طبّاخيها، ولكنّها تتخطّى كل الاستحقاقات الماضية بدقّتها، خصوصًا أنّها ستبني لمرحلة قد تغيّر وجه لبنان الاقتصادي، وإن أُحسن اخراجها ستنتشل البلاد من أزمة اقتصادية هي الأقسى في تاريخها. من هنا خرجت المعايير والمواصفات التي يتحدث عنها البعض، ويمكن تسميتها بتعبير آخر «متطلّبات المرحلة»، وعندها يصبح إسقاطها على مواصفات قائد الجيش أمرًا رياضيًا وبسيطًا.
تشير الوقائع، أنّ سلّم مواصفات الرئيس المقبل هو إمكانية انفتاحه دوليًا واقليميًا، على الغرب والشرق توازيًا، أي على المعسكر الغربي وما يُسمّى محور الممانعة. هذا التوازن يُراد منه الحفاظ على استقرار العلاقة مع الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر من جهة، وهو ما يستطيع قائد الجيش فعله، ومن جهة ثانية إعادة تطبيع العلاقات مع سوريا، وهي خطوة باتت مصلحة لبنان تتطلّبها بنحو لا يقبل التأخير على صعيدين أساسيين: عودة النازحين وترسيم الحدود البحرية لتمكين لبنان من التنقيب في الجزء اللبناني من الحقول المشتركة. وهذا الأمر قد يكون صعبًا على قائد الجيش لعبه في حال وصوله، كونه لم يمهّد أي أرضية تعاون مشتركة مع الجانب السوري، بحسب أكثر من مصدر.
داخليًا، قد لا يلقى القائد معارضة شرسة من القوى السياسية، ولكن من الواضح أنّ هناك رفضًا يشوب داخليًا المساعي الخارجية لإحداث توافق حول اسم القائد. أجواء الثامن من آذار تقولها صراحة، إنّ «حزب الله» لا يريد تكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان، وهذا الأمر نهائي ولا عودة عنه. فيما قالها رئيس «التيار الوطني الحر» بصراحة، إنّه لن يسير بالعماد جوزف عون.
وفي حال توقّف التشريح السياسي هنا، يتبيّن أنّ استمارة القائد الرئاسية أُشبعت غربيًا، ولكنها لم تلبِّ تطلّعات الداخل سياسيًا ولجهة التنسيق مع سوريا.
علاوةً على ذلك، وبمقارنة بسيطة لمرحلة ما بعد الخروج السوري، يبدو جليًا انّ مسألة الاستعانة بقائد الجيش ونجاح تسويق اسمه ارتبطا دائمًا بتصعيد أمني خطير، اضطر الجميع للذهاب بعده نحو حلّ «جاهز ومباشر». اليوم، الأمور لا تشبه السابع من أيّار 2008، وأنّ الحاجة إلى عسكري تبدو غير ملحّة بتاتًا، كون عامل الاستقرار الأمني متوافر، والحاجة هي إلى مشروع تكاملي في السياسة والاقتصاد.
قد يكون قائد الجيش رجلًا مناسبًا للرئاسة في الظروف الطبيعية، كون مواصفاته هي مواصفات تقليدية لرجل لم يدقّ باب الفساد ولم ينجرّ نحو مشاريع مشبوهة، ولكن، من يقترع اليوم هي المرحلة، والمرحلة تريد رئيسًا مختلفًا.