نداء الوطن
محمد دهشة
الشتاء والسحلب متلازمان، لا تكتمل طقوس الأول وعاداته وتقاليده وجلساته العائلية في المنازل إلا بالثاني، فيما السحلب لا يحلو إلّا من عند محلات عائلة حنقير التي يكاد يكون ماركة مسجّلة باسمها بفروعها الثلاثة في صيدا والمدينة القديمة، حيث المحلّ الأول الذي عمل فيه الوالد شفيق "أبو زهير" نصف قرن من الزمن حين افتتحه في العام 1936 إلى وفاته 1986.
صناعة السحلب لا تزال يدوية، لم تدخل إليها الآلات الحديثة، وهو مشروب ساخن، مُكوّن من الحليب ومادة السحلب - النشاء والسكر وماء الورد، تُغلى المواد في وعاء على نار هادئة لنصف ساعة حتى تتماسك وتُرشّ عليه القرفة أو المكسّرات، ثم يُسكب في كاسات زجاجية أو بلاستيكية، ويتم تناوله دافئاً وأحياناً مع الكعك أو الخبز الإفرنجي.
اليوم تحافظ عائلة حنقير على طريقة الطهي نفسها وعلى سرّ الصناعة معاً، بعدما ورثها الأبناء والأحفاد عن "أبو زهير"، ووسَّعتها من خلال ثلاثة محلات تحمل ذات الاسم والماركة، الأول يشغله ولده البكر زهير "أبو شفيق" الذي انتقل إلى محل جديد خلف "مول" صيدا، والثاني يشغله ولده سهيل في المحل الأساس في "حي المسالخية"، والثالث في "فود ترك" عند مستديرة "مرجان" ويشغله الحفيد مصطفى زهير حنقير "أبو زهير" تيمّناً بالجدّ. ويقول سهيل لـ"نداء الوطن": "كلّ شيء تطوّر في صناعة الحلويات إلّا السحلب بقي على حاله، لا يحتاج سوى الخبرة ومعرفة المقادير، الفارق الوحيد بين الأمس واليوم ناره إذ كنا نُغلّيه على الفحم، ثم تطوّر إلى بابور الكاز وصولاً إلى الغاز وما زلنا نبيعه على اسم شهرة الوالد "أبو زهير" حنقير الذي كان مقصداً للناس بمختلف طبقاتهم الإجتماعية".
ويكمن سرّ طبخة السحلب بـ3 خطوات، يضيف شفيق: "المقادير، النار والوقت"، و"اختيار نوعية المكوّنات عامل أساسي في الجودة أيضاً فضلاً عن الجهد والخبرة".
والسحلب يتألّق في الشتاء تحديداً وسط عشرات الأصناف التي برعت العائلة بصناعتها، رز بحليب، كسترد، المهلبية، المغلي والمفتّقة، ويؤكد سهيل أنّ الإقبال على الشراء تراجع جرّاء الأزمة المعيشية، "حيث بات الناس يعتبرون ذلك من الكماليات ولكن في فصل الشتاء يبقى السحلب مطلباً رئيسياً، وما زلت أصنع يومياً عشرات الكاسات، ولكلّ منها سعر، السحلب (30 - 40) ألفاً، الكسترد 25 ألفاً، المغلي (25 - 35) حسب المكسّرات، والرز بالحليب والمفتقة والمهلبية 25 ألفاً"، لكنه استدرك "لست نادماً على احترافي المهنة، هي في الأصل لم تعد مهنة يعتاش أفرادها منها في ظل الأزمة المعيشية الخانقة، إنما إرث تحافظ عليه من الاندثار أمام ثورة الحلويات الحديثة بأنواعها المختلفة والشهية".