النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
ما توقعت أن يكون لمقال الأحد الماضي تحت عنوان "هلا بالخميس!" ذاك الصدى، وما انتظرت أن تنهال علي الملاحظات التي مفادها أنني أغفلت أشياء كثيرة لاصقة العلاقة بالخميسات والتخميس، ما جعلني أضرب الأخماس على الأسداس علّني أخرج من حيرتي، فذهبت إلى القاموس لأستطلع من قراءة بند (خمس) ما يمكن أن يكون قد فاتني، فأفرخ روعي لأنني لم أجد كلمة "خاموس" وهي على وزن "عاموس"، فتلافيت بذلك إعادة ترسيم حدودي معكم بالاكتفاء بإيراد ما لفتني إليه بعض الأصدقاء، فأبدأ بمن ذكّرني أنه في خميس المشايخ كانت تجري مفاقسة البيض وأن الساحات كانت تشهد استغلال غفلة أكثرية المتفاقسين من قبل بعض النصّابين الذي كانوا يدخلون إلى المباريات ومعهم بيض فرعون، وهو نوع سميك القشرة جداً من دجاج شرس يسمى دجاج فرعون، فيسطون بذلك على بيضات الجمهور التي مودرت لشدة ما تلقته من كدمات... وهذا أمر متمادٍ منذ عهد فرعون ووزيره هامان، ولنا في التاريخ عبر. وسألني أخ كريم من بعلبك، كيف أهملت خميس الدوسة حيث كان بعض أدعياء الكرامات، يدوسون بخيولهم على ظهور المريدين المنبطحين أرضاً، طلباً للشفاء أو البركة، فهل يجلب الذل شفاء، وهل تكون البركة بالهوان؟
صديق عزيز وعليم بالبواطن يدمن السكنى في ظله ويتحاشى الأضواء، ولكنه يلمّ بالشاردة والواردة، تساءل إن كنت تغاضيت قصداً عن خميس الشكر، وهو من أهم الأعياد الأميركية، ففهمت من إشارته الذكية إلى أن التمادي في إهمال الأعياد المحلية، وعدم استغلال المناسبات الوطنية قد يذهب بنا إلى البقاء في حالة شكر لأميركا التي تذبح الأدياك الرومية، وتشويها على غاز غصبته إسرائيل من أعماق المياه الفلسطينية، فيما نحن نتظر نصيبنا من الغاز الموعود، علّه إذا انفجر وأسبغ علينا نعمه، ستظهر معه ملامح الرئيس الجديد بعد أن أحسن ترسيمه عاموس، وهكذا تدوم بالشكر النعم.
أما أكثر ما أثّر بي، فالرسالة النصّية التي وردتني من كريم المحبة سجعان قزي وقد قال فيها "هذا ليس ناقوس، بل هو دواء الأحد بالنسبة لي"، فيا أيها الصديق عافاك الله، وأعود بك إلى ان كلمة سجعان تعني كثير السجع، وأضيف بأنّ لسان العرب يفسّر السجع باستقامة القامة وأنت مستقيم الصحة والقامة بإذن الله، ومستقيم القلم في خميس "النهار".
وإذا كان الشيء بالشيء، يذكر فإنّ سعادة النائب السابق عباس الهاشم الذي يغرقني بلطفه، روى لي أن جدّه كان يوصي ربعه، بأنّ من لا يفلح أرضه مستقيم القامة ليس بفلاح، لكن عباساً يضيف على جدّه أن من يكتب منحنياً ليس كاتباً؛ ولا ينبغي لي ان أغفل رسالة عباس الثاني، وهو ليس الخديوي عباس، بل معالي القاضي عباس الحلبي إذ يُذَكِّر أن مشايخ بني معروف يجتمعون الخميس ليلة الجمعة في المجالس للتذاكر والصلاة والابتهال، وهي عادة محمودة وَقَتِ الوطن وبني معروف من الفتنة، وباركت لنا العبّاس الذي لا يعرف وجهه العبوس ولا يبدل اللبوس، ولا يقطع وعداً إلا وكان عليه عهداً.
أحبّائي،
أدركت، منذ وعيي على السياسة، أن العمل العام، تطوّع وشغف، وكنت أظنّ في بداياتي أن النائب مخلوق نوراني إلى أن تعلّمت أن "الباشا زلمي"، وأن من ندب نفسه لخدمة الناس يجب عليه أن يكون إنساناً عادياً يصدق نفسه أولاً ويعتزّ بها، أما إذا رهن عزّته عند سواه وتذرّع بالأمر الواقع أو موازين القوى الإقليمية والدولية، فهو شبيه بعرائس المولد، أو "القاره كوز"، أي الأراجوز على ما يسميه المصريون، بما يذكّر بمسرحية الليلة الكبيرة للمبدع الراحل صلاح جاهين، إذ يسأل الصعيدي التائه:" يا حضرة الأراجوز قوللي، منين يروحوا المتولّي...؟" فهل يسوغ لنا والحال كما ذكر، أن نسأل الأراجوز عن الدرب الموصلة إلى متولّي الرئاسة الموعود، وهو بالكاد يصل إلى المجلس بدليل (الغوغل ماب).
كم كان مخجلاً دخولهم وخروجهم من مبنى البرلمان يوم الخميس الماضي، بعيد الاستقلال، من غير أن يطأطئوا رؤوسهم اعتذاراً من الشعب اللبناني، وكم كان عجيباً أن تخاصمهم في السياسة المحلية، لم يحل دون انضباطهم - حسب الهوى - في فرق كرة القدم العالمية، علماً أنّ بعضاً من فريق الممانعة كتم فرحته بانتصار الفريق السعودي، وأنّ كثيراً آخر انتابته الدهشة لممانعة فريق الكرة الايراني وعزوفه عن إنشاد النشيد الوطني، تضامناً مع متظاهري إيران، لاسيما النساء.
في الختام، يرتبط الخميس بمجيء العريس، فمتى يكون خميس الجسد ويظهر سرّ القربان المقدّس؟