النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
سُمّي الخميس كذلك لأنه اليوم الخامس في الأسبوع، وسمي الجيش الجرّار خميسًا لأنه خمس فرق، هي المقدّمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة، وتُشبّه الميمنة والميسرة بالجناحين، وفي هذا يقول أبو الطيب لسيف الدولة:
يهزّ الجيش حولك جانبيهِ
كما نفضت جناحيها العقابُ
ويخاطبه في قصيدة أخرى:
الجيش جيشك غير أنك جيشه
في قلبه ويمينه وشمالِه
كلٌّ يريد رجاله لحياته
يا من يريد حياته لرجالِه
في مدينة حمص عيد قديم هو خميس المشايخ كان يلي سبع خميسات، وهو آخر خميس من نيسان الذي يسبق الجمعة العظيمة في التقويم الشرقي.
وكان احتفال خميس المشايخ يتركّز على النوبة التي هي طريقة صوفية تؤديها مجموعة من المريدين عند شيخ الطريقة، يحملون أعلام الطريقة والسناجق الخاصة بها ويضربون المزاهر والدفوف.
وليلة الخميس هي ليلة العشاء السرّي على ما هو شائع، فيها غسل يسوع أرجل تلاميذه مقدّماً مثالاً عن التواضع ومفسرًا ذلك بالقول: "ليس عبد أعظم من سيده، ولا رسول أعظم من مرسله، فإن كنتم قد عرفتم هذا فطوبى لكم إذا عمِلتم به"
ولدى المسيحيين أيضًا خميس السكارى الذي يذهب فيه بعضهم إلى تعاطي الشراب كطقس وداع، يسبق موسم الصوم ومغالبة النفس، وهو شبيه بسيران رمضان عند المسلمين.
وقد حاول قومٌ تفسير المفهوم التقليدي غير الديني لخميس السكارى فصحَّفوه إلى خميس الذكارى، وقالوا إنه الذي يجري فيه تذكر الأموات. لكن الأب البروفسور يوسف مونس يقول بأن كلمة ذكارى غير موجودة، ونحن نتذكر أمواتنا في كل وقت، والتقليد السائد الذي عمره مئات السنين يُعْلِمنا أنه اليوم الذي تجتمع فيه العائلة للبدء بالتخلي عن المتعلقات المادية والدنيوية تمهيداً لدخول مرحلة الصوم.
أما اليوم، فقد نزل على اللبنانيين موسمٌ من خميساتٍ متعاقبة أسبوعًا فأسبوعًا، يلتئم فيها النواب لأجل انتخاب رئيس جديدٍ للجمهورية، وهو استحقاقٌ جليلٌ ينبغي لهم فيه أن يخلعوا متعلقاتهم ويذهبوا إلى مرحلة اختيار رئيس يخرج اسمه من حميم وجدانهم، لا من إملاءات اللحظة الأخيرة، ولا من استمراء العيش في فراغ أبيض حالك السواد ولا من استسهال كتابة أسماء جنسٍ شديدةِ الإبهام، بدلًا من أسماء العلم الواضحة المعالم.
ولذلك ما زلنا في دوامة يتفاقم دوارها خميساً إثر خميس، تنتقل بنا من خميس المشايخ وخميس السكارى أو الذكارى، ليس إلى خميس الغيارى على الوطن ودستوره، بل إلى خميس الحيارى الذين يصلون بسياراتهم الفارهة إلى بوابة المجلس وهم يعلمون أن لا قيمة لإراداتهم، فأوراقهم مكتوبة أو ممحوة بمعظمها سلفاً، وحضورهم طقس من طقوس الحَيْرة، ونوبة أخرى من نوبات التقليد القديم حيث يطغى صوت المزاهر ودردرة الطبول والكلام المكرر بالنظام على الأدعية والأناشيد في مشهدية تصم فيها الآذان وتزوغ العيون، ويعمّ الضباب.
حزن اللبنانيين متمادٍ حيال خميس تمنَّوه خميس صعود إلى جدارة الدولة، فإذا به كرنفالٌ مملٌّ، خالٍ من التشويق والتجديد تسيطر عليه البلادة وتسود فيه البلاهة الوطنية، فكأنهم يشاهدون أطلال وطن وظلال دستور، وأشباح نواب لا يستحقون التبجيل إلا إذا بجلوا انتماءهم لناخبيهم وصانوا الدولة من الفراغ... ولكنهم مع الأسف يستسلمون لتنويم مغناطيسي طويل، ويحرّكهم حواة يأمرهم حواة مجهولون من مكان مجهول.
هل رأى الشعب حيارى.. حيارى مثلهم،
تثب الخيبة منهم..... قبلهم؟؟