تمّ تنفيذ هذه المادة بالتعاون مع شبكة أريج للصحافة الاستقصائية
فاطمة حيدر
إنقاذ.. إطفاء.. إسعاف.. هو شعار يختصر أولويات ومهام أحد أهم الأجهزة المعنية بالسلامة العامة "الدفاع المدني اللبناني"، الذي يواجه تحديات جمة في بلد يقع تحت وطأة أزمة اقتصادية وسياسية عميقة ومتعددة الأوجه منذ تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، نتج عنها شلل في الوزارات والإدارات والمؤسسات الرسمية، وتراجع حاد في عمل القطاعات والأجهزة الحكومية العامة، ومن أبرز هذه الأجهزة، الدفاع المدني.
إحدى أهم المشاكل التي يواجهها الدفاع المدني اللبناني في الوقت الحالي، والتي تشكل خطورة على السلامة العامة في لبنان، هي تعقيدات توفير كلفة صيانة المركبات.
يقول رئيس شعبة الخدمة والعمليات الخبير منصور سرور في حديث مع معدة التقرير: "أعطال السيارات إحدى أهم مشاكلنا، إذ إن الدولة لا تدفع بشكل كافٍ لإجراء صيانة"، ويضيف: "لقد وصل بنا الأمر أن نعتمد على متبرعين لتعبئة بنزين سيارات الإسعاف". ويشير سرور إلى أن "هناك شركات محلية وأشخاصاً مقتدرين يساعدون جهاز الدفاع المدني".
40% من الآليات متوقفة
يبلغ عدد آليات الدفاع المدني مجتمعةً 760 آلية موزعة بين سيارات إسعاف، وسيارات إطفاء، وسيارات نقل و إنقاذ، حسب رئيس الوحدة الإدارية في الدفاع المدني زياد الناطور، الذي أضاف أن 40% من سيارات الدفاع المدني متوقفة عن العمل بسبب عدم توفر المخصصات المالية لصيانتها.
بحسبة بسيطة، يصل عدد الآليات المتوقفة عن العمل في الدفاع المدني إلى 304 آليات.
فمن المسؤول عن هذا التقصير؟
يقول زياد الناطور إن "المشكلة الأساسية بدأت مع فرق سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي". ويوضح أن الارتفاع الجنوني في قطع السيارات نتيجة التضخم المالي، سبّب فجوة مالية بين قانون المحاسبة العمومية الذي يحدد مبلغ 3 ملايين ليرة لبنانية لصيانة مركبة الدفاع المدني، وبين أسعار قطع السيارات بالدولار الأميركي، فمثلاً: في السابق، كان سعر دولاب سيارة الإطفاء 400 دولار أميركي، أي ما يعادل 600 ألف ليرة لبنانية (سعر صرف دولار يساوي 1500 ليرة لبنانية سابقاً للدولار الواحد)، لكن حاليّاً، يبلغ ثمن الدولاب 12 مليون ليرة حسب سعر صرف دولار يساوي 30 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، مشيراً إلى أن الموازنة المخصصة لصيانة آليات الدفاع المدني تبلغ قرابة 4.5 مليار ليرة لبنانية سنويّاً.
يشار إلى أن بند "الصفقات بموجب بيان أو فاتورة" من المادة 151 في قانون المحاسبة العمومية "يُحدد عقد الصفقات بموجب بيان أو فاتورة: إذا كانت قيمتها لا تتجاوز ثلاثة ملايين ليرة".
أما المشكلة الثانية، فتكمن في عدم قدرة التُجار وأصحاب الشركات التي تبيع قطع غيار، على سحب مستحقاتهم المالية التي أودعها مصرف لبنان المركزي في حساباتهم المصرفية، نتيجة الانهيار المالي والمصرفي في لبنان وتحديد المصارف الخاصة للمودعين مبلغاً معيّناً شهريّاً لسحب الأموال من حساباتهم، وبالتالي، هذه الشركات خفّضت من تعاملها مع الدولة اللبنانية ككل، حسب الناطور.
بدوره، يؤكد المتطوع في جهاز الدفاع المدني منذ 1989 يوسف الملاح، الذي يعمل في مركز بيروت الإقليمي، أن آليات الدفاع المدني غير صالحة 100% للعمل، ويضيف: "نحن المتطوعون ندفع تكاليف صيانتها من جيوبنا، وأحياناً يساعدنا أصحاب مؤسسات قطع غيار السيارات عبر الخصم من مستحقاتهم المالية بغية صيانة المركبة".
وحسب الملاح، "التقصير ليس من إدارة الدفاع المدني، إنما في عدم وضوح الرؤية لدى الدولة اللبنانية حول أهمية الجهاز".
العتاد والأفراد
ومن التحديات التي تواجه متطوعي الدفاع المدني أيضاً نتيجة الأزمة اللبنانية والشح في الموارد المالية، هي الأجهزة والمستلزمات اللوجستية المنقوصة، التي يحتاجها الجهاز بشدة لتلبية نداءات الاستغاثة من دون وقوع مخاطر. ويعدّد الملاّح المتطلبات الملحّة حسب الأقسام: أولاً، قسم فوج الإطفاء بحاجة إلى تجديد في معدات الإنارة، وأجهزة الاتصال، والبدلات الواقية من الحرارة، ومجموعة الهواء المضغوط، وغيرها. وفي قسم الإسعاف، تحتاج السيارات إلى معدات حديثة، وقسم الإنقاذ بحاجة إلى حفارات، وآليات ثقيلة لإزالة الردم، ورافعات وغيرها. "حاليّاً، نعتمد على البلديات والمبادرات الشخصية خلال مهمات الاغاثة"، يقول الملاح.
بدوره، تطرق المتطوع في الدفاع المدني منذ 2006 جيف أبو حمد إلى النقص في عدد عناصر الدفاع المدني، ما يخلق ضغوطات على المراكز، إذ تستعين بعناصر من مراكز خارج نطاق جغرافيا المنطقة التي بحاجة إلى تلبية المهمة، ما يترك ثغرة قد تعيق تلبية مهمات تلك المنطقة.
الداخلية: قاعدة الاثني عشرية هي العائق
مصدر في وزارة الداخلية والبلديات تحدث عن مشكلة صيانة آليات الدفاع المدني، فقال إن "وزارة الداخلية والمديرية العامة للدفاع المدني تعملان ما أمكن بهدف تأمين الصيانة واستمرارية عمل الدفاع المدني رغم الصعوبات المالية"، مضيفاً أنه "بسبب عدم صدور الموازنة العامة، فإن الصرف يجري على قاعدة الاثني عشرية، وهي مبلغ غير كافٍ نظراً للاحتياجات"، أي أن الصرف يجري حاليّاً حسب الموازنة السابقة، التي تعتمد الصرف بالليرة اللبنانية من دون أن تلحظ الفرق الحاصل في تراجع قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.
وتابع أن "مشروع موازنة 2022 لحظ اعتمادات مقبولة للدفاع المدني".
الإغاثة الفورية في خطر
يحذر الناطور من أن مشكلة صيانة آليات الدفاع المدني التي تسببت في توقف عدد كبير من الآليات تشكّل خطراً على السلامة العامة في كافة الأراضي اللبنانية، مشيراً إلى احتمالية حصول تأخير في عمل الدفاع المدني لتقديم الإغاثة الفورية إذا استمر النقص في الآليات. وهنا، يشير المسؤول الإعلامي في جهاز الدفاع المدني اللبناني إيلي خير الله إلى أن أعداد المهمات التي يلبيها عناصر الدفاع المدني تتراوح بين 25 مهمة بالحد الأدنى، وتصل إلى 100 مهمة خلال 24 ساعة، حسب الظروف المناخية والمواسم والفصول.
أبو حمد حذر من خطورة النقص في العتاد: "في حال وقع حريق، يضطر بعض العناصر إلى عدم لبس البدلة المخصصة للحريق، والاكتفاء ببدلة العمل اليومية، وهذا الأمر يعرض حياته إلى الخطر، خصوصاً خطر ما بعد مهمة الإغاثة". أما المخاطر التي تقع على الناس، فهي تتعلق بالشق النفسي، إذ "يتأثر طالبو الاستغاثة نفسيّاً بشكل سلبي حين يصل عناصر الدفاع المدني ومعهم أجهزة منقوصة"، يضيف جيف.
أما ملاّح، فيقول: "العناية الإلهية تنقذنا في كل مرة"، بمعنى أن الأمر متروك للقضاء والقدر في أحد أهم أجهزة السلامة العامة في لبنان.