النهار
رسمياً، دخل لبنان امس في الأول من تشرين الثاني 2022 مرحلة الفراغ الرئاسي وسط مخاوف عارمة من ان يطول امده، فيما تعاني البلاد تداعيات كارثة اقتصادية ومالية واجتماعية يصعب للغاية معها تحمل ازمة فراغ طويلة قد تشل معها بقايا القدرات الرسمية والقطاعية والخدماتية، ولو في ظل حكومة تصريف اعمال يرجح ان تستمر في عملها، ولكن في ظروف شديدة التعقيد. وايذانا ببدء الشغور الرئاسي اتخذت الإجراءات اللوجستية امس في قصر بعبدا الذي استعاد المشاهد المتكررة امام انظار اللبنانيين لثلاث مرات بعد سريان اتفاق الطائف بحيث شغر من شاغل كرسي الرئاسة عقب ولايات الرؤساء اميل لحود وميشال سليمان وميشال عون من دون احتساب تجارب الشغور التي حصلت قبلها. ولعلّ البعد الأشد اثارة للمخاوف الذي بدا ماثلا امس تجلى في التساؤلات المتسارعة عما اذا كانت الأحوال التي آلت اليها خلال عهد الرئيس السابق ميشال عون، وبعدما انتهت ولايته الى فراغ رئاسي، ستشكل العامل الضاغط الكافي لتوقع تقصير امد الفراغ وكسر دوامة العقم الشكلي الفولكلوري الذي طبع الجلسات التي عقدها مجلس النواب خلال المهلة الدستورية وادت الى تكريس صورة تعطيل الانتخاب الرئاسي.
في الايام الاخيرة ملأ المشهد الداخلي خروج الرئيس عون من الحكم وانكفاء معظم القوى الداخلية عن الساحة السياسية ترقبا لنهاية إجراءات نهاية العهد واستعدادا لما سيليه. وبدا من الترقب الثقيل الذي طبع المشهد في الساعات الأخيرة ان ثمة انتظارا لما ستحمله دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الحوار، وما اذا كان لا يزال ماضيا في هذا الاتجاه ام سيعزف عن توجيه الدعوة الى الحوار في ظل مواقف اما متحفظة واما رافضة للكتل المسيحية تحديدا. كما ان ثمة ترقبا لما ستنتهي اليه جلسة مجلس النواب الخميس المخصصة لتلاوة الرسالة التي وجهها الى المجلس الرئيس عون قبل يومين من نهاية ولايته في شأن الازمة الحكومية . وفهم ان الجلسة النيابية ستشهد مداخلات حيال المواقف من الرسالة كما من الوضع الحكومي في ظل رد للرئيس نجيب ميقاتي على الرسالة وأخيرا من موضوع الحوار وفي ظل المناخ الذي تبلوره هذه المداخلات يحدد بري ما اذا كان سيمضي في دعوته ام يصرف النظر عنها.
ووسط هذا التريث الذي طبع الحركة الداخلية في الأيام الأخيرة، برزت غداة نهاية العهد العوني وتكريس بداية الفراغ الرئاسي، معالم تصاعد في المواقف الضاغطة الأوروبية والغربية لاستعجال انتخاب رئيس جديد في لبنان والحؤول دون ازمة فراغ مؤسساتي طويل الأمد. وتوقعت مصادر معنية وعلى صلة ببعثات ديبلوماسية عدة عبر “النهار” ان تكبر تباعا كرة ثلج المواقف الدولية والغربية والعربية خصوصا الضاغطة في شأن انتخاب رئيس جديد بما يعكس خشية دولية من ان يطول الفراغ في ظل المعطيات المتوافرة امام عواصم الدول المعنية برعاية الوضع في لبنان حول التعقيدات السياسية والنيابية التي منعت التزام تنفيذ الاستحقاق الرئاسي ضمن مواعيده الدستورية. وقالت ان الأجواء الدولية بما رشح عنها تكشف توجسا واسعا من القوى اللبنانية وانكشاف عجز بعضها او مصالح بعضها الاخر حيال التزام انتخاب رئيس جديد ولذا سيتكثف الضغط الخارجي تحت عنوان مسؤولية وتبعات القوى السياسية والنواب في منع انزلاق لبنان نحو متاهات فراغ طويل ستكون تداعياتها سلبية للغاية .
الموقف الأوروبي
والواقع ان بيانا أصدره امس الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بشأن الوضع السياسي في لبنان اتخذ دلالات مهمة اذ حذر من ان “الفراغ السياسي يحدث في وقت يواجه فيه لبنان وضعاً اجتماعياً واقتصادياً متدهوراً. ومن شأن التقلبات المؤسسية المصحوبة بعدم الاستقرار الاقتصادي أن تشكل مخاطر جسيمة على لبنان وشعبه”. وأضاف “يدعو الاتحاد الأوروبي مرة أخرى القيادات اللبنانية إلى تنظيم انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة بأقصى سرعة” ولفت تذكيره انه “في تموز الماضي، جدد الاتحاد الأوروبي إطار عقوبات يسمح بفرض إجراءات تقييدية على الأفراد أو الكيانات التي تمنع الخروج من الأزمة اللبنانية. وبهدف تسهيل صرف التمويل الدولي الإضافي وكبح الاتجاه المتدهور للاقتصاد اللبناني، يجب التوصل إلى اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي. ويجب إنجاز الإصلاحات الرئيسية التي طال انتظارها دون مزيد من التأخير”. وجدد مطالبة القيادات اللبنانية “بالاضطلاع بمسؤولياتها واتخاذ الإجراءات اللازمة”.
ومن جهتها، عممت السفارة الفرنسية ما غردته وزارة الخارجية الفرنسية عبر حسابها على “تويتر “حول لبنان وجاء فيه: “يمر لبنان بأزمة اقتصادية ومالية واجتماعية خطيرة وغير مسبوقة ، الأمر الذي يتطلب حسن سير جميع مؤسساته من رئاسة ، حكومة، ومجلس نواب لاتخاذ الإجراءات اللازمة لنهوض البلاد وتحسين أوضاع اللبنانيين بشكل عاجل. وفي هذا السياق ، تدعو فرنسا جميع الفاعلين اللبنانيين إلى تحمل مسؤولياتهم والارتقاء، من أجل لبنان والشعب اللبناني. وهي تدعو النواب اللبنانيين ومن دون تأخر الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
واما على صعيد المواقف الديبلوماسية العربية فكان للسفير السعودي وليد بخاري الذي قام بجولة واسعة في البقاع موقف لافت قال فيه “أن العلاقات السعودية -اللبنانية ستتحسن بعد تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جمهورية سيادي يستعيد ثقة المملكة والدول المهتمة بالملف اللبناني”.
ميقاتي في الجزائر
وسط هذه الاجواء، وعشية تلاوة ومناقشة رسالة الرئيس ميشال عون الى مجلس النواب التي طالبت بسحب التكليف من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، التقى الاخير عددا من القادة العرب في الجزائر كما التقى الامين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط ، قبل افتتاح القمة العربية الحادية والثلاثين بعد ظهر امس. وشدد ميقاتي على أن “صلاحيات رئيس الجمهورية لا تعود بموجب الدستور الى رئيس الحكومة، بل الى مجلس الوزراء، وسنعمل على ادارة شؤون البلاد من دون استفزاز، ولكن الاولوية تبقى لانتخاب رئيس جديد للبلاد وتأليف حكومة جديدة، وان يكون التعاون والانسجام قائما بينهما. ومن هذا المنطلق سيبقى تعاوننا مع المجلس قائما وفاعلا”. وعن احتمال دعوته مجلس الوزراء الى الانعقاد قال: “اذا لم يكن من موجب وطني أساسي وملح فانني لن ادعو الى جلسة لمجلس الوزراء وسنستمر في تصريف الاعمال بشكل عادي. وفي حال استجد اي إمر طارئ فسأقوم بالتشاور المسبق مع المكونات التي تتشكل منها الحكومة قبل اتخاذ اي قرار”.
وعلى صعيد التحركات الداخلية عقد في بيت الكتائب المركزي في الصيفي، اجتماع نيابي تشاوري للبحث في الاستحقاق الرئاسي الداهم ودعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقد جلسة لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية ومناقشتها الخميس المقبل، وتم الاتفاق على بيان وقعه 27 نائبا ابرز ما جاء فيه” يعرب المجتمعون عن رفضهم القاطع لمحاولات إشعال التجاذبات الطائفية عبر افتعال السجال في موضوع صلاحيات الحكومة خلال فترة الشغور الرئاسي لأن هذا الموضوع محسوم في الدستور اللبناني .ويعتبرون أن الاولوية التي أكد عليها الدستور هي الشروع فوراً في انتخاب رئيس للجمهورية، وبناءً على ما تقدم، يؤكد المجتمعون أن على المجلس الالتام اليوم قبل الغد، لانتخاب رئيس الجمهورية لأن هذا وحده من شأنه أن يعيد الانتظام لعمل المؤسسات ويدعون رئيس مجلس النواب الى تكثيف الجلسات لانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن”.
وليل امس اعلن النائب جبران باسيل انه لن يترشح لرئاسة الجمهورية وانه ضد ترشيح سليمان فرنجية وانه مع فكرة التوصل الى مرشح توافقي يطمئن “حزب الله” والسنة والمسيحيين .