صونيا رزق - الديار
منذ حوالى الشهر قام رئيس مجلس النواب نبيه بري بحركة اتصالات ولقاءات خفية لبحث الاستحقاق الرئاسي، وجسّ نبض فريقي النزاع أي الممانع والمعارض، وخلص الى ضرورة الدعوة لعقد طاولة حوار تبحث في وضع البلد عموماً، وفي الملف الرئاسي خصوصاً، لوضع المواصفات المطلوبة من الرئيس المنتظر، وبشكل توافقي كي يكون مقبولاً من اغلبية الاطراف السياسية.
لكن ووفق المعلومات لم يلق بري تجاوباً او حماسة من معظم الافرقاء، الذين اعتادوا فشل طاولات الحوار في لبنان منذ عقود من الزمن، باستثناء تلك التي كانت تعقد في الخارج لتنتهي باتفاق تسوية كالعادة. اما اليوم وبالتزامن مع انتهاء العهد العوني، ثمة اسئلة تطرح عن مدى إمكان انعقاد طاولة حوار بري، بعد وصول العلاقة بين الاخير ورئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الى القطيعة، على أثر الرد العنيف مساء السبت الذي تخلل نشرة اخبار محطة ال nbn التابعة لرئيس مجلس النواب، والتي لم تترك للصلح اي مطرح، اذ شنت هجوماً عنيفاً على العهد في نهايته.
من هذا المنطلق، ووفق المعلومات فإن العهد العوني لن يسكت ابداً بعد اليوم، خصوصاً انّ حريته ستكون اوسع في الرابية، وهذا ما قاله نائب شمالي في تكتل "لبنان القوي" في مجلس خاص، وأضاف:" إنتقام "التيار" سيكون اقوى بكثير من الآن فصاعداً، من معرقلي العهد رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامه، ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، على ان يُطلع الشعب على فضائح بالجملة".
وهذا يعني انّ السجالات " راجعة اقوى" بكثير من السابق ووفق مقولة "عليي وعلى أعدائي"، لانّ ردود الرئيس عون خارج القصر ستكون اقوى واعنف وفق المقرّبين منه، وبالتالي فالانتقام من عين التينة سيبدأ بإفشال طاولة الحوار من خلال مقاطعتها والتحدث عن فشلها المسبق، أي ضربة اولى لرئيس المجلس اعتباراً من اليوم، فهل يدعو بري الى تلك الطاولة قريباً، وهو يعلم انّ التصدّي العوني له قد بدأ ؟
وفي هذا السياق، ثمة مراقبون سياسيون يشيرون الى انّ طاولة الحوار باتت صعبة جداً اليوم، لا بل ستساهم في المزيد من النزاعات الداخلية في حال عقدت، وهي لطالما كانت لزوم ما لا يلزم، منذ ان بدأت بالانعقاد على مدى مراحل من الزمن ، ولانّ المكتوب عادة يُفهم من عنوانه، فكانت تجمع الاضداد الذين لا يفههون على بعضهم، ولا احد يفهم عليهم، في ظل وجود لاعبين سياسيين محنكين يعرفون ماذا يفعلون، ومع ذلك يتابعون عرقلتهم لوطن مثقل بالهموم والمصاعب والمآسي، الامر الذي يضع دعوة رئيس المجلس في غير محلها، وفي توقيت صعب تدور فيه الاشتباكات على جميع المحاور السياسية والحزبية والاختلافات حول اسم الرئيس المنتظر، مما يعني انّ الطاولة المذكورة التي بدأت تتلقى سهام الرفض منذ ان سُمع باسمها، لن تصل كالعادة الى أي خاتمة، وفي حال حصلت ستقتصر فقط على السلامات والقبل المسرحية ليس أكثر، في حين انّ بري والنواب يعلمون تمام المعرفة، بأنّ اسم الرئيس يأتي من الخارج ، وهم يلتزمون به والنقطة على السطر.
باختصار، هي طاولة لجمع الطرشان، والمقصود شراء الوقت وتخدير الساحة الرئاسية واللبنانيين عموماً، وبالتالي فصورة المتحاورين حول الطاولة ستكفي لاستشراف عمق الأزمة، وهشاشة من كانوا وما زالوا يتولّون المسؤولية، فيما السفينة غرقت بالجميع وانتهى امرها.
اليوم وبعد تكرار إنعقاد طاولات الحوار العقيم، تبدو هذه الدعوة عملية إمتداد للتعطيل، في ظل جلسات رئاسية متتالية، وستبقى الاوراق البيضاء عنوانها الرئيسي على ايدي فريق الممانعة، وضمن إطار العزف على الوتر عينه لدى الفرق المعارض الذي سيزيد ورقة او اكثر للتصويت للنائب ميشال معوض، وهو يعلم مسبقاً انّ حظوظه بالوصول الى بعبدا صعبة جداً.
الى ذلك، ستكون طاولة الاضداد استكمالاً للفشل، لانّ روادها وفي حال وافقوا على المشاركة فيها، سيختلفون من جديد واكثر من أي مرة، على ان يزيد "عدم السمع" والنتيجة المزيد من الفراغ في إنتظار هوية رئيس يوافق عليه الخارج، أي رئيس مطواع يستكمل المسار القديم خلال السنوات الست المقبلة.