دوللي بشعلاني - الديار
يدخل لبنان غداً الثلاثاء في الأول من تشرين الثاني مع انتهاء عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم الاثنين في 31 تشرين الأول الجاري، شغورين: رئاسي وحكومي. فالمجلس النيابي الجديد لم يتوصّل الى التوافق على انتخاب الرئيس الخلف للعماد عون، ما اضطرّه الى تسليم البلاد للشغور الرئاسي. كما أنّ المجلس نفسه لم يُعطِ حكومة تصريف الأعمال الحالية الثقة التي يُفترض أن تنالها الحكومة الجديدة التي كُلّف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتشكيلها وفق استشارات نيابية ملزمة أجراها الرئيس عون في 23 حزيران الماضي، نال ميقاتي بنتيجتها 54 صوتاً برلمانياً مقابل 25 صوتاً للسفير السابق نوّاف سلام، إلّا أنّه لم يشكّلها، بل أبقى ورقة التكليف في جيبه، ولم يقدّم للمجلس النيابي أي حكومة جديدة لنيل الثقة، أو حجبها عنها. كما أنّ الرئيس عون قبل مغادرته قصر بعبدا الأحد قد فعل ما أعلن عنه في مقابلة تلفزيونية، وهو التوقيع على مرسوم قبول استقالة الحكومة، ما جعلها مستقيلة حُكماً، لقطع الطريق أمام حكومة ميقاتي على ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهورية بالوكالة.
ومع القرار التي اتخذه الرئيس عون قبل انتقاله من قصر بعبدا الى منزله في الرابية، وسط تظاهرة شعبية مؤيّدة له، تؤكّد مصادر سياسية عليمة بأنّ تلويح الرئيس عون بتوقيع مرسوم استقالة الحكومة قبل 4 أيّام من انتهاء عهده، كان يهدف الى حثّ ميقاتي على الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة قبل انتهاء العهد، تجنّباً لترك البلاد أمام الفراغ في السلطة التنفيذية في ظلّ الشغور الرئاسي الذي ستدخله ولا يُعلم متى سينتهي. وتقول المصادر بأنّه درجت العادة، أو العرف أن يتمّ الإعلان عن قبول استقالة الحكومة، في الوقت نفسه الذي يُعلن فيه عن تشكيل الحكومة الجديدة في مرسوم يضمّ أسماء الوزراء المعيّنين والحقائب التي سيتولّونها، فتكون بذلك حكومة "كاملة الصلاحيات"، تتولّى مهام السلطة التنفيذية بدلاً من الحكومة المستقيلة، حتى ولو بقي رئيس الحكومة الشخص نفسه.
وأكّدت المصادر أنّ الرئيس عون لم يخرق الدستور من خلال توقيعه على مرسوم استقالة الحكومة، لأنّها مستقيلة أساساً وهي حكومة تصريف أعمال، لا تجتمع منذ انتخاب المجلس النيابي الجديد في 15 أيّار الماضي، وبالتالي لا يمكنها إصدار قرارات مهمّة، أو القيام بصلاحيات رئيس الجمهورية في ظلّ الشغور الرئاسي، كونها تُصرّف الأعمال بالمعنى الضيّق، وهذا أمر محسوم. فالدستور يحدّد مهام حكومة تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق، ما يعني أنّ صلاحياتها محدودة، ولا يحتاج الأمر الى التفسيرات والإجتهادات التي تدخل فيها المواقف السياسية. أمّا الحكومة المستقيلة، فلا يمكنها اتخاذ أي قرارات، الأمر الذي يعطّل او يشلّ عمل مجلس الوزراء. علماً بأنّه كان أمام ميقاتي أكثر من 4 أشهر لتشكيل الحكومة الجديدة، سيما أنّه جرى تكليفه هذه المهمة منذ 23 حزيران الماضي، غير أنّه ابقى ورقة التكليف في جيبه، ولم يشكّل محتجّاً بأمور عديدة.
وهذا يعني، بحسب الدستور، بنّ لبنان سيدخل الشغور الرئاسي وكذلك الحكومي حُكماً غداً الثلاثاء، على ما أوضحت المصادر نفسها، إذ لا يبقى سوى المجلس النيابي الذي يتمتّع بالسلطة التشريعية في البلاد، المؤسسة الوحيدة الشرعية بين المؤسسات الثلاث التي انتهت "مدّة صلاحيتها". فولاية الرئيس عون تنتهي اليوم في نهاية تشرين الأول الجاري، فيما شرعية الحكومة الحالية مفقودة كونها ليست منبثقة من المجلس النيابي المنتخب، وقد اصبحت حكومة مستقيلة رسمياً مع توقيع عون على مرسوم استقالتها. ولهذا لا يمكنها إدارة البلاد، أو القيام بصلاحيات رئيس الجمهورية، أو حتى الاجتماع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية الذي كان يرأس الجلسات الوزارية. فالمادة 62 من الدستور قد أناطت صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء مجتمعاً في حال شغور موقع الرئيس وليس برئيس الحكومة، فكيف إذا كانت الحكومة مستقيلة؟ كما أنّ الدعوة الى الإجتماعات الإستثنائية لمجلس الوزراء بحسب الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور، منوطة برئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة، وهذا يعني أنّه لا إمكان لأن تعقد حكومة ميقاتي الحالية أي جلسات إستثنائية لمجلس الوزراء إلّا بحضور رئيس الجمهورية، ومع غيابه يتعذّر عليها عقد أي جلسة إستثنائية. وهذا يجعل الحكومة الحالية "صُورية"، كونها غير قادرة على اتخاذ قرارات لتسيير شؤون البلاد والمواطنين.
أمّا توقيع الرئيس عون على مرسوم استقالة حكومة ميقاتي الحالية، فهو قرار لم يسبق أن اتخذه أي رئيس جمهورية في تاريخ لبنان، على ما لفتت المصادر، وقد لجأ إليه الرئيس للضغط على مجلس النوّاب لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية في أسرع وقت ممكن، كونه لم يكن يريد تسليم البلاد للفراغ، ولأنّ حكومة تصريف الأعمال لا يمكنها القيام بمهام رئيس الجمهورية أساساً. والأجدى للبنان انتخاب الرئيس الخلف للرئيس عون، ومن ثمّ تشكيل حكومة جديدة "كاملة الصلاحيات" ينتظرها الشعب اللبناني، لكي تقوم بتسوية أوضاعه على المستويات كافة.
وبرأي المصادر نفسها، أنّه لحسم أي جدل حول إمكانية تولّي حكومة ميقاتي "المستقيلة"، لا سيما بعد توقيع الرئيس عون على مرسوم استقالتها، شؤون البلاد أو عدمه، وحول ضرورة تحديد مدّة معيّنة للرئيس المكلّف لتشكيل الحكومة وسحب ورقة التكليف منه في حال لم يحترم المدّة المقرّرة وغير ذلك، لا بدّ من الإتفاق على "تعديل مثل هذه الثغر الجذرية في الدستور". فالمواد المتعلّقة بالصلاحيات وتحديد المهل، يجب أن تُعدّل لكيلا يتمّ ترك البلاد تتخبّط في للفراغ على أكثر من مستوى، بسبب "الغموض" الذي يعتري بعض المواد في الدستور، والذي ربما كان مقصوداً في مرحلة سابقة، غير أنّه لم يعد مناسباً للظروف الراهنة.
أمّا اليوم، على ما عقّبت المصادر، فمن الضروري إجراء الحوار الذي دعا اليه برّي، إذا كانت الأطراف والأحزاب السياسية لا تريد فعلاً أن تطول فترة الشغور الرئاسي، ومرحلة عدم وجود حكومة "كاملة الصلاحيات" تكون فعلاً منتجة وفاعلة وقادرة على حلّ مشاكل المواطنين اليومية والحياتية في ظلّ الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة التي تمرّ بها البلاد. حتى أن الدستور يدعو مجلس النوّاب الى الإجتماع بعد الشغور الرئاسي، في جلسة إنتخاب مفتوحة الى حين انتخاب الرئيس الجديد، فلماذا لا يتمّ تنفيذ هذا الأمر لتقصير فترة الشغور قدر المستطاع؟
وأكّدت المصادر أنّ الإتفاق الأميركي - الإيراني بات قريباً، إذ بدأت نتائجه تظهر في المنطقة، إن من خلال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي حصلت في لبنان، أو تشكيل حكومة في العراق برئاسة محمد شيّاع السوداني بعد أكثر من عام على الأزمة، ونيلها ثقة مجلس النوّاب. ولا بدّ من أن ينعكس هذا الاتفاق الخارجي على انتخاب رئيس الجمهورية المقبل أيضاً من خلال تداعياته على الداخل. وهذا الأمر من شأنه تقصير فترة الشغور الرئاسي، على ما تأمل المصادر، إذ لا يجوز ترك البلاد أمام الفراغين الرئاسي والحكومي، حتى وإن كان ميقاتي يُتابع عمل حكومته، وإن كانت مستقيلة، ويقوم بتمثيل لبنان في القمة العربية المرتقبة غداً وبعد غد في 1 و2 تشرين الثاني في الجزائر.