أنطوان الأسمر
لم تنسحب الإيجابية الحكومية بعد انفراجا على مستوى حسم ملف التأليف أو التعويم. ولم يخطّ رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي جديدا ينبئ بقرب هذا الحسم. فمحيطه يحفل بالتسريبات المتناقضة، بما لا يؤشر الى تطورات ملموسة، ما لم يثبت ميقاتي عكس ذلك في الأسبوع الطالع، وهو الذي يعود الى بيروت في غضون الساعات القليلة المقبلة.
ويتوقف المراقبون عند التناقض في مقاربة الملف الحكومي، وسط سيل من التسريبات تبدأ بأن قرار التعويم متخذ بلا أي تعديل، ولا تنتهي باقتراح تعديل حكومي يطال 4 وزراء على قاعدة مداورة مذهبية تشمل سنيّا (وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام) وشيعيا (وزير المال يوسف خليل) ودرزيا (وزير شؤون المهجرين رمزي شرف الدين) ومسيحيا (نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي).
اللافت في هذا السياق أن مسوقي هذا الإقتراح يدورون في فلك رئيس الحكومة المكلّف. ورغم أن ميقاتي سارع الى طمأنة الشامي بأن مقعده محفوظ وغير قابل للتبديل، يجزم مطلعون على المشاورات الحكومية بأن الرئيس المكلف طرح بالفعل استبدال نائب رئيس الحكومة بشخصية من الهيئات الإقتصادية، وهو مؤشر واضح الى أن ثمة من يعدّ لتبديل في القرار الإقتصادي للحكومة تحت ستار المداورة المذهبية، بغية إقصاء الشامي بما يؤمّن وضع اليد كليا على هذا القرار، عبر الرباعي: رئاسة الحكومة، وزارة المال (المرشح لها ياسين جابر)، نيابة رئاسة الحكومة التي لها اليد الطولى في المباحثات مع صندوق النقد وحاكمية مصرف لبنان.
ولا يخفى أن المنظومة السياسية – المالية الحاكمة لا تزال تتمنّع عن إقرار القوانين الإصلاحية التي يعتبرها الصندوق لازمة لأي إتفاق مع لبنان.
وكان لبعثة الصندوق التي زارت لبنان في الأيام الأخيرة موقف حازم حيال تعثّر مجلس النواب والحكومة في تنفيذ الإلتزامات التي قطعها لبنان في نيسان الفائت عشية توقيع الإتفاق على مستوى الخبراء بشأن السياسات الاقتصادية الشاملة التي يمكن أن يدعمها اتفاق للاستفادة من "تسهيل الصندوق الممدد".
وصارحت البعثة من إلتقتهم من مسؤولين بوجود استياء عارم من تلكؤ لبنان عن إقرار الإصلاحات وفق البرنامج الذي التزمت به الحكومة قبل توقيع الإتفاق على مستوى الموظفين، سائلة في الوقت عينه عن السبب في عدم عدّ ما يملك لبنان من ذهب وهو أمر سهل، كذلك عن السبب في عدم توحيد سعر الصرف والاستمرار في تعدد الأسعار الذي يعمّق أزمة اللبنانيين ويطيح مدخراتهم لحساب إراحة المنظومة السياسية – المصرفية.
وإذ حضّت البعثة على تعديل قانون سرية المصارف الذي أقرّه المجلس بما يؤدي الى شمول مختلف اللاعبين برفع السرية من دون أي استثناء أو عائق، وهذا القانون الأول الذي
اقرّ من بين القوانين الإصلاحية الأربعة، سألت عن سبب تأخر الحكومة والمجلس النيابي في إقرار الثلاثة الباقية، وهي: قانون اعادة هيكلة المصارف، قانون الموازنة، قانون الكابيتال كونترول.
واعتبرت البعثة أن قانون موازنة 2022 أضحى خراج الزمن، وكان من المفترض أن يقر في النصف الأول من السنة الحالية، ولأن الإتفاق تأخّر بسبب عدم التزام لبنان الإصلاحات. وسألت مليا عما ستكون عليه موازنة 2023 على فرض التوقيع بين لبنان والصندوق في ما تبقى من سنة 2022. فأي إتفاق أضحى مرتبطا جذريا بموازنة السنة المقبلة التي ينبغي أن تقدّم مقاربة مالية إقتصادية شاملة تقنع الصندوق بأن لبنان قادر على الإيفاء بتسديد الدين الذي يطلبه.
كما أبدت البعة قلقا من أن تتأثر الجهود الإصلاحية بتأخر أو تعثّر الإستحقاقات اللبنانية، ولا سيما انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لعلمها بمحورية الموقع الرئاسي في أي إتفاق مزمع بين لبنان والصندوق. وهي سألت مرارا عن إمكان إقرار القوانين الإصلاحية قبل بدء مهلة الأيام العشرة الأخيرة من إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية في 31 تشرين الأول، متخوفة في الوقت عينه من فراغ تشريعي يواكب أو يلي أي فراغ رئاسي محتمل.