باتريسيا جلاد - نداء الوطن
تتزاحم الأزمات الإقتصادية في لبنان وتتفاقم حدّتها من خطة اقتصادية للحكومة غير منجزة بانتظار خطة الكهرباء، إلى استنزاف الإحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان لوقف انهيار العملة الوطنية... إلى موازنة "ضرائبية" تستوجب التعديل والإقرار إلى مشكلة مستجدة مع قرع طبول الحرب بين أوكرانيا وروسيا تكمن في استيراد القمح وارتفاع أسعاره إلى جانب المحروقات عالمياً في ظلّ عدم وجود إهراءات ومخزون من القمح يكفي لأكثر من شهر ما قد يترك تداعيات سلبية على الإقتصاد اللبناني. هذا التهديد لأمننا الغذائي استدعى من وزير الإقتصاد أمين سلام كما أكّد خلال حواره مع "نداء الوطن" القيام بتحركات مسبقة للبحث مع دول عدة حول إمكانية استقدام القمح منها في حالات الطوارئ إما من خلال هبات أو شرائها وفق سعر مقبول.
بعد أن قدّم وزير الإقتصاد والتجارة مشروع مرسوم عاجل لفتح اعتماد لشراء قمح وفق السعر "القديم" من أوكرانيا يكفي لفترة شهرين أو ثلاثة أشهر، ما سيوفّر على الخزينة المال، أعلن سلام بعد جلسة مجلس الوزراء موافقة المجلس على التنسيق بين وزارتي الإقتصاد والمالية لرصد المبلغ المطلوب لاستيراد القمح وتوفير مخزون لبنان نظراً إلى إمكانية تأثير الملاحة البحرية على غرار الملاحة الجوية على استقدام القمح عدا عن ارتفاع سعره. وحول تداعيات الحرب الأوكرانية على اقتصاد لبنان فنّدها الوزير سلام كما يلي:
-حركة الملاحة البحرية والجوية ستتأثّر، إذ قد يصدر قرار بوقف الملاحة البحرية بين أوكرانيا وسائر الدول كما حصل في حركة النقل الجوي.
- ارتفاع كلفة الشحن إلى لبنان ضعفين أو ثلاثة أضعاف.
-ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.
-لجوء الدول التي نستورد منها القمح إلى تخزين تلك المادة لديها والتوقّف عن البيع، علماً أن الشحنات إلى لبنان في الأيام العادية تصل متأخرة فكيف بالحري اليوم.
-والخشية من إعلان حال طوارئ عالمية، فتتوقف الدول عن تصدير القمح إلى لبنان، فالدول التي تعتمد في عملها على استيراد القمح مثل لبنان واليمن وسوريا، سيكون أمنها الغذائي مهدداً بسبب عدم وجود مخزون احتياطيّ لديها من القمح، أما مصر التي تعتمد على الإستيراد، فلديها مخزون من القمح.
كم نحتاج شهرياً من القمح لتلبية حاجة السوق، وأين يتم التخزين وكم يبلغ سعر الطن ؟
نستورد شهرياً نحو 50 ألف طن من القمح لتغطية حاجة السوق من الخبز العربي وجميع أنواع مشتقات الخبز من مناقيش وكرواسان...أي ما نحو 600 ألف طن سنوياً.
بالنسبة إلى سعر طن القمح عالمياً، كان يتراوح بين 350 و 390 دولاراً وبسعر وسطي 380 دولاراً، لكن مع بدء ملامح حصول أزمة بين أوكرانيا وروسيا منذ نحو أسبوعين، بدأ الرقم يتصاعد ووصل مع بدء العمليات العسكرية إلى 400 و 410 دولارات بسبب حالة الهلع في السوق العالمية .
ما هي الإجراءات الإستباقية التي اتّخذتها الوزارة لمواجهة احتمالية حصول أزمة قمح ؟
لدينا أصلاً مشكلة عدم وجود إهراءات لتخزين القمح وارتفاع سعر المازوت وعدم توفر الكهرباء وبالتالي ارتفاع كلفة الرغيف ... وتداركاً لأي مشكلة محتملة، سبق أن طلبت من الولايات المتحدة الأميركية والهند وكندا وبعض الدول المنتجة للقمح الطري بتوفير القمح للبنان لصناعة الخبز العربي. وأبدت تلك الدول تجاوبها مع لبنان وإمكانية مساعدة لبنان، أكان من خلال توفير هبات لخفض أسعار الخبز في حال ارتفعت، وإمكانية الإستيراد أيضاً.
كما اجتمعت مع منظمة الغذاء العالمية WFP مرات عدة، والقيّمون عليها على علم بمشكلة تخزين القمح في لبنان وطمأنونا إلى جهوزيتهم لتوفيره باعتبار لبنان بلداً صغيراً وهناك إمكانية لدعمه وتوفير القمح له على المدى القصير في ظروف طارئة. وتلك المساعدة ستتم من خلال هبات والتدخلّ في حال الطوارئ كما يحدث اليوم لأن توفّر مخزون احتياطي للقمح يرتبط بالأمن الغذائي. من هنا يبرز العلاج المستدام بضرورة بناء إهراءات يتمّ فيها تخزين القمح لفترة 3 أو 6 أشهر لتأمين عدم انقطاع الأسواق من تلك المادة.
طن القمح قد يصل إلى 500 دولار
هل باستطاعة مصرف لبنان دعم سعر طن القمح إذا ارتفع سعره بنسبة 30 أو 40 في المئة؟
القمح لا يزال المادة الوحيدة المدعومة من مصرف لبنان بنسبة 100%، بالكاد يمكن أن يستمرّ بتأمين الدعم فكيف إذا ارتفعت الأسعار، فمصرف لبنان قد يكون عاجزاً عن دعمه كاملاً أو حتى جزئياً، ودور وزارة الإقتصاد توفير القمح للخبز العربي خصوصاً. من هنا تقدمت لمجلس الوزراء بطلب مشروع مرسوم للحصول على سلفة من الدولة لمديرية الحبوب والشمندر السكري لشراء القمح للمرة الأولى وحفظها للبنان بسعر معين مع صفة الإستعجال، ليصار على أساسها تبليغ مصرف لبنان بفتح اعتماد لشراء تلك المادة. فالدولة يجب أن تضمن 50 ألف طن أو 100 ألف طن لفترة شهر أو شهرين بسعر معين لأن سعر طن القمح قد يصل إلى 500 دولار مقارنة مع 350 أو 390 دولاراً سابقاً، ما قد يضاعف سعر ربطة الخبز.
من أين سيتم استيراد القمح وما هو البديل عن أوكرانيا؟
شركات روسية كبرى عرضت علينا بيع كميات بالسعر القديم المحدد منذ أسبوع أو 10 أيام. من هنا ضرورة الحصول على سلفة لإنجاز الصفقة تفادياً لارتفاع السعر ما سيؤثّر سلباً على الدولة ويرفع الكلفة على الخزينة. أما البديل عن أوكرانيا فهي الولايات المتحدة الأميركية، الهند وبعض الدول الأوروبية التي يمكن أن تساعدنا وألمانيا. علماً أن روسيا دولة كبيرة وبعض المقاطعات الروسية لا تزال قادرة على التصدير ولديها الكثير من القمح.
مضاعفة إنتاجية القمح المحلّي
ألا يمكن تحفيز المزارعين على زيادة إنتاج القمح محلياً؟
طبيعة لبنان الذي كانت تطلق عليه وتحديداً في سهل البقاع تسمية "إهراءات روما"، لا ينتج سوى القمح القاسي وهو غير صالح لصناعة الخبز العربي. هناك بعض المناطق ينتج قمحاً متوسطاً أي لا قاسياً ولا طرياً، لكن يمكن استخدامه لصناعة الخبز العربي، لكن في الحالات الطارئة يمكن الإستعانة به لصناعة الرغيف.
فالقمح المحلّي يمكن استعماله لـ"الباستا" والبرغل، وحاولت مساعدة المزارعين لناحية تصدير محصول القمح ولو كانت كميته صغيرة، إلى ايطاليا وتركيا ما يخلق دخلاً ممتازاً للمزارع اللبناني بالـ"فريش دولار". عندما فتحنا باب تصدير القمح إلى الخارج، أوجدنا آلية بالتعاون مع شركات عالمية من خلال معهد البحوث لفحص القمح المصدّر والتأكد من أنه قاس وليس الطري المستورد وذلك منعاً لتهريب القمح المدعوم المستورد لإنتاج الخبز.
لماذا لم تحلّ قضية بناء إهراءات؟
عندما عيّنت وزيراً للإقتصاد، كان هناك مشروع جاهز لإعادة إعمار الإهراءات، لكن ذلك غير ممكن قبل تنظيف المنطقة من الحبوب، فأعدّينا مشروعاً بالتنسيق مع وزير البيئة وبهبة من الدولة الفرنسية، بتنظيف المنطقة كلّها، واستخدمنا كل ما تمّ جمعه من ردم لصناعة خشب صالح للتدفئة تمّ تقديمه إلى الجيش اللبناني.
بعد ذلك كان لا بدّ من هدم مبنى الإهراءات قبل إعمار مبنى جديد، خصوصاً أن الإهراءات تميل رويداً رويداً كما بيّنت دراسة أجريت، ما يعرّضها لإمكانية السقوط والإضرار بالجيش المتواجد في المكان المطوّق. وهنا قامت القيامة وقيل إن الدولة تريد أن تطمس معالم الجريمة ووزارة الإقتصاد تريد هدم الإهراءات والمسّ معنوياً بعائلات الشهداء الأمر الذي لا أرضاه وأوضحت ذلك من خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته أمس. فهدم الإهراءات والإعمار لا يتعارضان مع التحقيق، ومديرية الجيش ليس لديها أيّ مانع في ذلك.
وستبدأ لجنة يوم الإثنن برئاسة وزير العدل بالإجتماع لدراسة الملف واتخاذ القرار المناسب.
ألا يمكن إعمار إهراءات في مرفأ طرابلس على سبيل المثال؟
طبعاً يمكن بناء إهراءات للقمح في مرافئ أخرى، ولكن للإهراءات رمزية في مرفأ بيروت. ويمكن إنشاؤها في أي مكان على الأراضي اللبنانية، علماً أنها عادة تكون قريبة من البحر لتسهيل التفريغ والتحميل على البواخر. فالإتحاد الأوروبي أعدّ دراسة عن إمكانية إنشاء إهراءات في مرفأ طرابلس وهي على وشك الإنجاز، وأنا من المؤيدين لفكرة أنه يجب أن يكون هناك أكثر من مكان لمخزون القمح والدليل ما حصل مع إهراءات بيروت.
لجم ارتفاع أسعار السلع الإستهلاكية
ما هي التدابير المتّخذة للجم أسعار السلع في السوبرماركات التي لا تزال مرتفعة؟
فعلياً على الأرض، لدينا في لبنان ما يفوق 22 ألف متجر أو مركز بيع يتألف من سوبرماركت وميني ماركت... وهناك 3800 محطة بنزين وأكثر من 6000 مولد كهربائي عدا المطاحن والأفراد، جميعهم تحت مراقبة وزارة الإقتصاد والتجارة.
إستناداً إلى دراسة أنجزتها، بالإمكانيات الموجودة في الوزارة، إذا كنا سنراقب تلك المراكز كلّها يتطلب ذلك فترة 4 سنوات. من هنا وللتمكن من تفعيل الرقابة لتشمل مناطق أكبر وضبط المخالفين طلبت من الأجهزة الأمنية أن تفعّل دورها مع وزارة الإقتصاد ومؤازرتها فضلاً عن الأمن العام، والأخير لديه سلطة قضائية لتوقيف المخالفين وسلطة قانونية بالإقفال بالشمع الأحمر والتعامل مع القضاء بشكل سريع.
كما طلبنا من البلديات مساعدتنا من خلال شرطي عن كل بلدية ما يزيد عديد المراقبين البالغ 1055 عنصراً، إلا أنه لم تستجب لطلبنا إلا بلديات الشمال والبقاع التي تحركت وتمّ ردع المخالفات بصورة أشمل.
واليوم النيابات العامة المالية تدعمنا في التحرّك فاستدعت نقيب المستوردين هاني البحصلي لاستجوابه، على أن يتبعه سائر التجار. هذه الخطوة مهمة ولجمت التجار الذين عزوا مشكلة عدم خفض كل الأسعار توازياً مع انخفاض الدولار، إلى المستوردين. حتى أنني قمت بجولة على التجار فتبيّن لي ضرورة استدعاء البعض منهم إلى النيابات العامة المالية لفتح دفاترهم وشرحها، علماً أن النيابة العامة المالية يمكنها أن تقدم على وقف كلّ عملهم. وكمحصّلة يمكننا القول إن الأسعار انخفضت في السوبرماركات بين 10 و 30% ، ولكن التلاعب لا يزال موجوداً.