المصدر: نداء الوطن
بدأت روسيا استخدام الحيل العسكرية والأمنية والإعلامية التي اعتادت نسجها عند كلّ خطوة تكتيكية أو استراتيجية قد تتّخذها، خصوصاً إن كانت القضيّة متعلّقة بدولة جارة باتت خارج فلك نفوذها بينما كانت في السابق جزءاً أساسيّاً من الاتحاد السوفياتي الذي تسعى موسكو إلى نفخ الروح فيه من جديد لإعادة إحيائه ولو بطريقة تُواكب المتغيرّات الدولية، بينما كشف الرئيس الأميركي جو بايدن أنّه أجرى اتصالَيْن هامَيْن حول أوكرانيا مع أعضاء الكونغرس ومع حلفاء واشنطن في "حلف شمال الأطلسي" والاتحاد الأوروبي، معتبراً أن "القوات الروسية قامت بانتهاكات لوقف إطلاق النار" في دونباس، ومتوقّعاً أن تشنّ روسيا هجوماً على أوكرانيا خلال الأيام المقبلة.
ومِن إعلان منطقتَيْ دونيتسك لوغانسك الإنفصاليّتَيْن المواليتَيْن لموسكو إجلاء المدنيين إلى روسيا، متّهمين كييف بالتحضير لاجتياح، الأمر الذي نفته الأخيرة بشكل قاطع، وصولاً إلى تفجير سيّارة مفخّخة قرب مبنى "حكومي" تابع لدونيتسك زعم الإعلام الروسي أنّها كانت تستهدف قائد "الشرطة الشعبية" فيها الذي "نجا من الإنفجار"، فضلاً عن اندلاع حريق في أنبوب غاز في لوغانسك بعد انفجار ضخم... بدأ الكرملين تنفيذ الخطّة الروسيّة التمهيديّة التي تُعبّد الطريق أمام جيشه لتنفيذ سيناريو احتلال أوكرانيا، في حال اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرار الحرب، تحت حجج فنّدتها الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة.
ويُضاف إلى التوتر الميداني في شرق أوكرانيا تسجيل قصف كثيف واشتباكات يفتعلها الإنفصاليون الموالون لموسكو لتفجير الجبهات وإعطاء مبرّر تُريد روسيا استخدامه كحجّة أمام العالم في حال قرّرت غزو أوكرانيا، حيث رأى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن القصف في شرق أوكرانيا في الساعات الـ48 الماضية هو جزء من جهود روسية لاختلاق "استفزازات كاذبة" لتبرير مزيد من العدوان ضدّ الجمهورية السوفياتية السابقة، فيما أشار وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الذي أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي سيرغي شويغو أمس، من وارسو، إلى تحرّك المزيد من القوات الروسية في اتجاه منطقة الحدود الأوكرانية، على الرغم من إعلانات موسكو التي ما زالت تتوالى تباعاً عن تنفيذها انسحابات عسكرية.
وفي المقابل، اتّهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى استقباله نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في موسكو، أوكرانيا، برفض الإنخراط في حوار مع الإنفصاليين، وقال: "في الوقت الحاضر نرى تدهوراً للوضع" في شرق أوكرانيا، معتبراً أن الولايات المتحدة لم تُبدِ تصميماً على التعامل بشكل مناسب مع مطالب بلاده في إطار المحادثات حول ملف الضمانات الأمنية في أوروبا، في وقت حذّر فيه لوكاشينكو من أن التصعيد العسكري الحالي يُهدّد باندلاع حرب ستشمل أوروبا بأكملها.
وبينما أكدت روسيا مجدّداً تنفيذها انسحابات جديدة لقوّاتها من الحدود مع أوكرانيا، كشف وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف أن روسيا حشدت 149 ألف جندي عند حدودها مع بلاده، في حين رأى الأمين العام لـ"حلف شمال الأطلسي" أنّ أوروبا تشهد راهناً "أكبر حشد لقوات عسكرية" منذ الحرب الباردة، فضلاً عن تنديد وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بنشر موسكو غير المسبوق لقوّات عند الحدود مع أوكرانيا وبمطالب تعود إلى حقبة الحرب الباردة، معتبرةً أن روسيا تتحدّى المبادئ الأساسيّة لنظام السلام الأوروبي، داعيةً موسكو إلى إظهار "جهود جادّة لخفض التصعيد".
وفي الغضون، أعلن الجيش الروسي إجراء تدريبات مكثفة لقواته الإستراتيجية، في تذكير صارخ بالقوة النووية لروسيا. وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن بوتين سيُشرف بنفسه على التدريبات المقرّرة اليوم، والتي ستشمل تدريبات متعدّدة على إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات وصواريخ موجّهة من طراز "كروز"، بينما وافقت الولايات المتحدة على صفقة لبيع بولندا 250 دبّابة هجومية من طراز "أبرامز" وتجهيزات ذات صلة، من بينها آليات ومدافع وذخائر، بقيمة 6 مليارات دولار.
وفي تلويح جديد بسيف العقوبات الأميركي والغربي المصلت فوق رأس روسيا، حذّر نائب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض لشؤون الاقتصاد الدولي داليب سينغ من أنّ العقوبات التي ستفرضها الولايات المتّحدة وشركاؤها على موسكو، إذا ما قرّر بوتين غزو أوكرانيا، ستجعل من روسيا "دولة منبوذة"، مشيراً إلى أنّه "سيتمّ عزلها من الأسواق المالية الدولية وحرمانها من المساهمات التكنولوجية الأكثر تطوّراً". كما أكد استعداد بلاده في حال حاولت موسكو استخدام إمدادات الطاقة "سلاحاً"، وقال: "لقد اتّخذنا إجراءات للتنسيق مع أكبر مستهلكي الطاقة ومنتجيها لنضمن أنّ لدينا إمدادات طاقة متواصلة وأسواق طاقة مستقرّة"، فيما حمّلت واشنطن ولندن، روسيا، مسؤوليّة الهجمات السيبرانيّة التي استهدفت أوكرانيا.