كمال ذبيان - الديار
اعادت احداث الطيونة، الى ذاكرة اللبنانيين الذين عايشوا الحرب الاهلية، انطلاق الفتنة من حادثة اطلاق النار على باص كان يقل مواطنين فلسطينيين، كانوا يمرون من منطقة عين الرمانة، فسقط قتلى وجرحى من ركابها، وتطورت الاوضاع الامنية، التي فلتت عن السيطرة وتزامنت مع مشاريع اميركية لحل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي خصوصا، والعربي – الاسرائيلي عموما، والتي حملها اكثر من موفد اميركي، وكان الهدف منها، اسقاط الكفاح المسلح الفلسطيني، ورفض حق العودة للنازحين الفلسطينيين وتوطينهم حيث يقيمون، ولبنان احدى الدول.
فما حصل في السبعينات من القرن الماضي من خلاف لبناني على السلاح الفلسطيني، يعود في نسخة جديدة حول سلاح المقاومة.
وما حصل امس من اطلاق نار، وظهور مسلحين بالعشرات، ووقوع اشتباكات وعمليات قنص، ليس حادثا فرديا، بل حصلت تعبئة له منذ سنوات، وكان عند اي خلاف سياسي، يترجم في الشارع، ويظهر في منطقة خطوط التماس التقليدية بين الشياح وعين الرمانة، اذ حصلت خلال مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري في شباط 2005، عدة حوادث بين المنطقتين المتجاورتين جغرافيا، حيث خفف تفاهم 6 شباط 2006، بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، من الاحتقان بين منطقتين شهدتا قتالا عنيفا، لكنه لم يوقف التوتر، الذي تقف فيه «القوات اللبنانية» طرفا ضد «حزب الله» وتعتبر عين الرمانة رمزا «للمقاومة المسيحية» ومثلت الصمود، حيث ترجم امس باحداث بين «القوات اللبنانية» وحركة «امل» و»حزب الله» اللذين اتهما القوات بالاعتداء على التظاهرة المشتركة للتنظيمين الشيعيين اللذين يطالبان باقالة او تنحية القاضي طارق البيطار عن التحقيق في تفجير مرفأ بيروت.
ويمكن تلخيص ما حصل في الطيونة سياسياً وامنياً بالآتي:
1- قلق اللبنانيين من عودة الحرب الاهلية وهم لم يتعلموا من مآسيها.
2- ان غالبية من المشاركين سواء في التظاهرة او الذين تصدوا لها، ولدوا بعد وقف الحرب الداخلية منذ اكثر من 31 عاماً، وعلى من يحركهم من قادة احزاب ان يبعدوهم عنها.
3- ثبت ان الاحزاب ما زالت تمسك بالشارع وتستخدم سلاحها وتتقاتل فيه وتجر البلاد الى فتنة طائفية.
4- كل فريق سياسي وحزبي، شارك في ما حصل في الطيونة، عمل على استنفار العصب الطائفي والسياسي والمناطقي، لتوظيف ذلك في الانتخابات النيابية المقبلة.
5- يتهم «حزب الله» وحركة «امل»، حزب «القوات اللبنانية» بتنفيد مخطط اميركي ضد المقاومة، عبر عنه رئيسه سمير جعجع بالدعوة للتصدي السلمي لمن سيخرق حدود ما سمي «المنطقة الشرقية» ودعا المواطنين الاحرار، الى التصدي للعابثين بالامن، اذا احجم الجيش اللبناني.
6- احرج «الثنائي الشيعي»، «التيار الوطني الحر» واضعف وجوده في صفوف المسيحيين، اذ قامت حملة ضده، حول ماذا جنى «نفاهم مار مخايل» للمسيحيين الذين تستباح مناطقهم مع كل حادث امني، او تباين سياسي.
7- اعادت حوادث الطيونة الترابط بين «امل» و«حزب الله» بعد ان ظهرت في الفترة الاخيرة حالة من التباعد على عدد من القــضايا لا ســيما موضــوع توزيع المحروقات كما على القرار ومن يملكه في بعض المناطق.
8- اظهر التفلت الامني وظهور مسلحين في منطقة الاحداث بأن الوضع الامني هش وان الدولة الى مزيد من الانفراط والتحلل.
9- ان التظاهرة والاعتصام كانا من اجل تصحيح الوضع القضائي في قضية التفجير الذي حصل في المرفأ و«قبع» القاضي طارق البيطار وهو مطلب «حزب الله» الذي تبنته حركة «امل» بعد الادعاء على الوزير السابق علي حسن خليل وهذا الشرط قد يؤدي الى فرط الحكومة اذا لم يتم التوصل الى صيغة قانونية مقبولة من الجميع.
10- ان الاشتباك الذي حصل بين وزراء «الثنائي الشيعي» ورئيس الجمهورية ميشال عون، خلق جوا من عدم الثقة داخل الحكومة ولم يمض شهر على تشكيلها.
11- ان الاحداث الامنية كشفت ان لبنان مستمر ساحة صراع اقليمي - دولي على ارضه وان الدور الاميركي فاعل في لبنان من خلال دخوله على الملفات الداخلية وان الدعم الذي تقدمه الادارة الاميركية للتحقيق العدلي والقاضي الذي يتولاه يرى فيه «حزب الله» مخططا اميركيا ضده، وتركيب شهود زور كما حصل بعد اغتيال الرئىس رفيق الحريري.
12- ان اللبنانيين الذين يمرون في ظروف مالية واقتصادية واجتماعية وخدماتية صعبة جدا فإنهم يخشون من ان يقودهم السياسيون الى حرب داخلية، تضيع مطالبهم في محاربة الفساد وتحقيق الاصلاح، واستعادة المال المنهوب، والوصول الى الحقيقة في التدقيق المالي الجنائي، الذي يتهرب منه مسؤولون كبار في الدولة، كي لا يحصل وقد يكون افتعال حوادث امنية لتعطيله.
13- ان عدم الاستقرار الامني يمنع حصول الانتــخابات النيابية في موعدها وان الاشكالات الامنية قد تأت لصالح الطبقة السياسية بتأجيل الانتخابات.